الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

صفير البلابل .. دراسة فى الأدب الشعبى 00الجزء الأول









دســوقى الخطـــــــارى




صفـــــير البلابــــــل


دراسات هامة فى أدب العامة


معالجة أدبية للأدب الشعبى



الجزء الأول

الشعر فى الأدب الشعبى



























إهــــــــــــــــــــــــــــــــداء

* إليها وحدها

· إلى / روح والدتى الطاهرة – رحمها الله
· إلى / روح شقيقى منصور أبوزيد – رحمه الله
· إلى كل مهموم بالأدب الشعبى

أهدى هذا العمل المتواضع


















مقدمة
لقد نازعتني الرغبة والرغبة الملِّحة بعد توقف دام سنوات عديدة فى العودة مرة أخرى إلى مجتمعي الريفى الريفى البسيط وما تنطوى عليه حركاته وسكناته من ملاحظات تستدعى التوقف عندها والتأمل فيها وحسب بل لابد عمل دراسة جادة لما لما يحويه هواؤه النقى من عبق الماضى وأريج الحاضر وطيب التطلع إلى مستقبل أكثر شفافية وازدهار – بإذن الله –
وقد كان لهذا العود ثمة أسباب لا أستطيع إخفاءها أو التغاضى عنها وسأحاول فيما يلى عرض بعضها عن لم يكن جميعها وألتمس المعذرة إذا ما أصابني شئ من التقصير فى جانب من جوانبها آملا أن يشفع لى ويغفر لى القارئ خطيئة التقصير نظراً للإتساع الهائل فى الفجوة بين الباحث فى مثل هذه المجالات وبين القارئ والناقد من جهة وبين الباحث والناقد من جهة أخرى فقد ينظر القارئ إلى العمل على أنه عمل ضخم يستق التقدير فى حين أن الناقد قد يستخدم آليات النقد المتاحة له وفى هذه الحالة يتوقف الحكم على العمل على ما أتيح للناقد من آليات وعلى تكيفه النفسى مع العمل والنظر إلى العمل من زاوية المعطيات الأدبية التى أتيحت للباحث وكذلك المادة التى استاق منها الباحث موضوع بحثه ومدى تكبد الباحث من عناء وتعب فى البحث والتنقيب عن مصادر هذه المادة المستخدمة كأساس لموضوع البحث أو التدليل على جزئية معينة من جزئياته.
لذا.. فأنا أضع بين يدى قارئى الكريم هذا البحث كعمل أدبى دام البحث عن ماته ما يزيد عن عشر سنوات كاملة وقدر ذلك البحث فى التدليل الأكاديمي والبحث فى المراجع للربط بين كل جزئية وأخرى من جزئيات ذلك البحث متمنيا أن أكون قد وفقت فى توصيل مجرد المعلومة إلى كل قارئ ولا أقول أشبعت ما لديه من رغبة فى التعرف على مثل هذه الموضوعات.
والله ولى التوفيق ،
دسوقى الخطارى













" لهذه الأسباب كانت هذه الدراسة "


ولكى يرتبط الواقع الأدبى بالواقع الاجتماعي ولك نؤرخ لهذا الارتباط ونوثق له توثيقا فعليا فلا بد من النزول إلى ميدان الحركة والاحتكاك المباشر بمصادر البحث والوقوف عند مدى خبراتهم الحياتية نظراً إلى أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هى الخطاب الشفاهى الذى لا يمكن التوثيق له بطريقة سهلة أو بأسلوب غير متقن ، ولكن الهدف الأسمى والمرتجى من وراء هذه الدراسة كان هو الدافع الأساسي الوحيد الذى جعلنا نستسهل النحت فى الصخر وركوب الصعاب لتحقيق ما من أجله كانت هذه الدراسة، وسنحاول بإذن الله تعالى - إتقان هذا العمل ، لا خوفا من نقد ولا أملا فى ثناء ولكن لنصنع من الاثنين مجتمعين عملا جديراً بالقراء والنقد ولعلنا فى عرض الأسباب التى دعت إلى القيام بهذا البحث نجد ما نبرر به الهدف من وراء القيام بهذه الدراسة.
.. وتلك الأسباب هى...
أولاً : الحفاظ والمحافظة على هذا النوع من الأدب الشفاهى الذى ربما ضاع بين طيات السنين وربما دفن بين ثنايا التراب وتحت الثرى واحتضنته الأرض مع من احتضنتهم من البشر حاملى هذه الشفاهيات بين صدورهم فالإنسان فى كلتا الحالتين على مضض ، فإن مات فهو لا يملك من أمر نفسه شيئاً ولا يستطيع أن يجمع حوله من أحب ليحفظ عندهم ما حفظ طوال سنوات عمرة المنتهية من هذه الشفاهيات....
ثانياً :- تعريف القارئ بما يحويه مجتمعة البسيط المتواضع من ألوان الفنون والآداب تعريفا وافيا شافيا كافيا حتى وإن تعددت هذه الألوان وإن ظل بين أيدينا ما نحفظه وما نستخدمه من بقايا هذه الألوان والأشكال التى شحذ فيها المصرى القديم والحديث على حد سواء – لسانه ووضع فيها عصارة عقله وملكه وإبداعه مع اختلاف آلية التخاطب واختلاف الوسيلة التى من أجلها تناقل بهذا الإبداع وهو قد لا يعلم آنذاك بأنه يقول ما سوف يخلد به نفسه ويجعل وطنه أرضاً خصبة لإنتاج مثل هذه الشفاهيات كما أنه قد لا يعلم أنه وَرَّثَ ابنه ميراثاً ثميناً بطريقة بسيطة وغير مباشرة ،
ثالثاً:- يعد من أهم الأسباب التى دفعتنا لدراسة هذه الآداب هو جمال هذه الآداب نفسها وتعدد ألوانها وأشكالها واختلاف أنماطها فهى بحق علم يجب تضاف مضامينه ومحتوياته إلى ما تحويه المكتبات ودور العلم من علوم إنسانية ، كما أنه حقيق بأن يدرس ويدرس وأن تمتلك وتورث ولا يمكن لنا أن نتجاهل ما بها من جمال وروعة تأثر بها المصرى على مر عصوره وأثر فيها تأثيراً ملموساً..




لذا نتساءل...
أليس ذلك بجدير أن تطرق أبوابه ؟ وتسلط عليه الأضواء وتنفض عنه أتربة الأزمنة المتعاقبة والحقب الزمنية التى مر بها ؟ ومرت هى عليه فتكشف كوامنه ؟ وتتضح خفاياه وتستخرج درره وماساته
رابعاً:-إن محاولة البحث فى أسس هذه الفنون ومقارنتها بالتقنين اللغوى و إخضاعها للقياس البلاغى ومحاولة تطبيق العلوم البلاغية عليها وتقريب هذه العلوم إلى نفس القارئ وكذلك محاولة إلقاء الضوء على ما بها من نقاط القوة والضعف والتعرف على أغراضها الأدبية من خلال مقارنة بعضها بالبعض الآخر مقارنة علمية سليمة لعلها تجد فيما بعد من يمد لها يد البحث والتطوير وإضافة ما يمكن إضافته إليها من دراسات.
خامساً:- محاولة التفريق بين ما يحتويه الفلكلور المصرى من مسميات والتعرف على كل مسمى على حدة وتتبع تاريخه الأدبى وإزالة ما علق به من لبث أو ما تضمنه من شوائب قد تلحق بأشكاله وأغراضه نظراً لخضوع الخطاب الشفاهى عامة للحذف والإضافة والتغيير والتبديل بين ألفاظه من قبل بعض المتلقين له. وكذلك إزاحة ما تكون فى أزهان العامة من خطأ والعمل على محوه بشكل جاد وعلمى من ناحية ومن ناحية أخرى ترسيخ ما صح منه وإننا لنعنى بالأولى محاولة القضاء عليها من المنبع وبالثانية تطبيع هذه الأفكار وجعلها واقعا أدبياً...
وأخيراً وليس آخراً يمكننى عند هذا الحد من التوضيح القول بأن لكل ما تقدم ولأجل ما سياتى من أسباب كانت هذه الدراسة ،
سائلين الله العلى القدير التوفيق والسداد
فهو نعم المولى ونعم المعين
وإلية المرجع والمصير









" تمهـــــــــــــــــيد "

"الثقــــــافـــة الشعبية"

إنه من الصعوبة بمكان أن يجرؤ أى باحث أو دارس على أن يتطرق لمثل هذه الدراسات أو البحث فيها حتى وإن ظن فى نفسه القدرة على الولوج فى مثل هذه الموضوعات إلا إذا كان مولوداً على أرض هذه الآداب متربياً بين أحضانها راضعاً من ثديها جمال التراكيب وروعة المعانى.
وإننى حينما شرعت فى عمل هذه الدراسة لم أضع فى حساباتى ما قد يطرأ عليها من تشعبات ولكنى كنت أجد فى نفسى دافعاً يدفعنى للقدوم على ذلك وكنت أرى بصيصاً من الأمل يزين لى التغلب على تلك الصعوبات وتشعب الموضوعات بالإضافة إلى أن نزوعى وحبى وشدة فضولى جعلونى أواصل ما عزمت علية ولكى لا يواجه القارئ العزيز ما واجهت من صعوبات فى فهم الأيدلوجيات الشعبية وما تنطوى علية من أشكال فنية وأغراض أدبية وملامح بلاغية فإننى أعرض عليه وأضع بين يدية التعريف المبسط والتقسيم المختصر للثقافة الشعبية لعله بعد معرفتها يستطيع مواصلة قراءة هذه الدراسة.
تعريف الثقافة الشبية – ) الفولكلور(
هى الكل المترابط من النشاط الإنسانى والذى تصوغه الجماعة الشعبية فى جدلها مع الواقع الحتمى للطبيعة وما فوق الطبيعة والاجتماعي والأيدلوجية المجتمعية ويشمل القيم والتطورات والخبرات والعادات والتقاليد والمعتقدات والتشكيل المادى والفنون وكل ما ينتجه الإنسان بوصفه عضواً منتجاً فى المجتمع وهى قسمان :
الأول :- المأثورات الشعبية:-
وهى كل ما هو " آنى " وموجود وجوداً فعلياً ويمارس من قبلأفراد مجتمع ما...
الثانى:- التراث الشعبى...
والتراث الشعبى هو كل ما هو" غير آنى " وموجود فى بطون الكتب والمدونات ولا يمارس...
وللثقافة الشعبية خمسة أجناس أساسية:-
* الجنس الأول :- القيم والتصورات والخبرات
* الجنس الثانى:- العادات والتقاليد الشعبية
* الجنس الثالث:- المعتقدات الشعبية.
* الجنس الرابع:- الفنون الشعبية وتنقسم إلى :-
أ- فنون قولية :- وهى الأدب الشعبى شعره ونثره
ب- فنون حركية :- وهى الرقصات – حلقات الذكر – ألعاب الصبية – التحطيب – وما شابه ذلك...
جـ - فنون موسيقية:- وهى إلحان وجمل موسيقية – ألات موسيقيةد وهى الرسومات – النحت – الإضافات التشكيلية
هـ - – فنون تشكيلية:- الدراما الشعبية: وهى كل شكل من الأشكال الأربعة السابقة عندما يجتمع مع شكل آخر ومثال ذلك.
حركى + موسيقى = رقص أو تحطيب
* الجنس الخامس:- التشكيل المادى وهو عبارة عن :-
المنتجات المحسوسة- الفخاريات- الخزف اليدوى- أدوات العمل الزراعى القديمة ( المحراث/ الشادوف/ النورج/ الطنبور/ الفأس/ الساقية/ الغلق/ وأشياء أخرى )
والحرف البيئية وتشمل:- ( النسيج اليدوى- الحصر المصنوعة من نبات الحلفا وقش الأرز- المفروشات البلاستكية )
ولسوف نتناول إن شاء الله فى دراستنا هذه واحداً فقط من بين هذه المكونات ويعد ذلك الواحد شكلا من جنس من أجناس الثقافة الشعبية وهو الشكل الأول ( الفنون القولية) من الجنس الرابع الفنون الشعبية وهذه القوليات هى كل ما يحويه الأدب الشعبى من شعر ونثر وكل ما يتضمنه الشعلر بنوعيه الشعبى الذى يشترط فيه أن يكون ناظمه مجهولاً كما يجب أن يكون خاضعاً للحذف والإضافة والعامى الذى يشترط معرفة مؤلفه وأن يكتب وينطق باللهجة العامية ولم يخضع تحت أى صورة أو مؤثر للحذف والإضافة وقد حددنا فى دراستنا هذه الشعر الشعبى من تلك القوليات مأثوراً كان أو نثراً ولا يمنع ذلك من ذكر بعض التفاصيل فى الصفحات التالية بغرض التوضيح وما يشتمل عليه هذا الأدب من أشكال وأنواع فى صورة مجملة ثم شرحها شرحاً وافياً فى فصول مخصصة لذلك وأخرى كان الغرض منها المقارنة والإثبات بالبرهان القاطع والدليل الذى لا يترك فى نفس القارئ مجالاً للشك،































" العامية ونشأتها :
------

قال الأصمعى (1) :" كان أكثر أهل المدينة يكرهون الإماء حتى نشأ منهم على بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله ففاقوا أهل المدينة فقهاً وعلماً وورعاً، فرغب الناس فى السرارى (2) وكان من نتائج هذا الاختلاط أن دخلت عناصر غريبة من الأتباع والسرارى فى البيئة العربية ثم بسبب هذا الانتقال فى اللغة نفسها إلى مواطن أجنبية أثرت فيها وتأثرت بطبيعة الحال.
كما أن هناك الكثير من العوامل التى ساعدت على ظهور اللغة العامية بامتزاج العرب بغير العرب على مر الزمان امتزاجاً كبيراً مما جعل للعروبة معناها التاريخي والحضارى بل والإنساني والسياسي.
ولكن هذه الظواهر وغيرها لا تعد من عناصر ضعف اللغة بل قوة فريدة جعلت من الضيوف إبدالا توافدوا من كل أمة وهم عارفون ما لهذه اللغة من من قوة فى التعبير وإيجازاً فريداً بل معجزة لغوية للدراسة العلمية والتحول من اللغة الفصحى إلى اللغة العامية هو نتيجة اختلاط بين أمم شتى مع اختلاط البيئات وما يترتب على اختلافها من مشاهد وصور كلها تؤدى إلى تخريب أو تغيير أو دخول كلمات قد لا تكون لها أصل فى اللغة ، أو ربما كان اختلاف لهجات القبائل العربية هو من هذا القبيل ، ذلك أن هذه القبائل وإن كانت تسكن الجزيرة العربية إلا أن أماكنها مختلفة فبعضها قريب من بلاد فارس وبعضها قريب من بلاد الروم وآخرون على حدود البادية من الجنوب حيث السواحل حيث الاتصال بين العرب والأقوام الأخرى والتأثير الذى ينجم عنه وإلى هذا يشير فندريس بقوله" والنتائج اللغوية التى ينجم عنها كبيرة الخطر لأنه إذا احتكت لغتان إحداهما بالأخرى أثرت كل منها على صاحبتها " أضف إلى ذلك ما حصل من إختلاط العرب بغيرهم فقد أدى ذلك إلى تبادل لغوى يعبر عن الحاجات الجديدة التى تدعو الضرورة أصحابها ألى أخذ ألفاظ ليست من لغتهم ، وكلما زاد هذا الاحتكاك زادت الحاجة إلى ألفاظ جديدة تتلائم واللغة الجديدة كذلك لما قد يدخل فيها من نحت وقلب وتحريف وتصحيف، ولقد ظهرت بوادر اللحن فى الوقت الباكر من أيام المسلمين على ألسنة بعضهم ففى أيام النبى (ص) روى أن رجلاً لحن بحضرته فقال أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل، وقال مرشداً الناس إلى اللغة العربية رحم الله إمرء أصلح لسانه"
وذكروا سقطا زمن عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه) فى اللسان والكتابة دعت عمراً أن يكتب إلى عامله أبى موسى أن يضرب كاتب أسل به إليه فيه لحن " قنع كاتبك سوطاً" لأنه لحن.
كما قد رويت حالات خطأ فى الإعراب متعددة منهم الحجاج بن يوسف الثقفى وبشر بن مروان وخالد بن عبداالله القسرى. وعبدالعزيز بن مروان وهناك إشارات متفرقة عن شيوع اللغة العامية واللحن فى القرون الأولى الهجرية فى عهد الوليد بن يزيد ذكر حماداً الرواية قال: جاداً أو هازلاً " أنا رجل أكلم العامة وأتكلم بكلامهم".
إلا أننا نستطيع أن نضع أيدينا على أول أدب عامى متكامل فى عهد هارون الرشيد عندما نكب البرامكة ومنع أحداً من رثائهم بشعر فصيح وتنكر لمن يفعل ذلك فرثت إحدى الجوارى جعفراً بهذا النوع من النظم الذى يداخله اللحن ولا يجرى على أوزان الشعر والذى أجمع عليه مؤرخوا الأدب أن هذا هو أصل المواليا وهو

منازل كنت فيها بعد بعدك درس
خراب لا للعزا تصلح ولا للعرس
فأين عينيك تنظر كيف فعل الفرس
تحكم وألسنة المداح عنها خرس
وقال الجلال السيوطى فى شرح الموشح النحوى أن هناك هارون الرشيد لما قتل جعفر البرمكى أمر أن يرثى بشعر فرثته جارية له بهذا الوزن وجعلت تنشد وتقول " يامواليا" فى ختام شعرها وأن أول ما نظمت منه قولها:
يا دار أين ملوك الأرض أين الفرس
أين الذين حموها بالقنا والترس
قالت تراهم رمم تحت الأراضى الدرس
سكون بعد الفصاحة ألسنتهم خرس
وينقل الأب انستاس مارى الكرماى من محيط المحيط ما نصه
" أو مواليا ، جارية كانت لجعفر البرمكى يحكى أنه إذا قتل البرامكة ونهى الناس عن أن يرثوهم بشعر ورثت مولاها جعفر بما يأتى من الأبيات مخالفة فيها وزن الشعر فقالت:
دار كنت تلهو لو تراها درس
سودا وألسنة المداح عنها خرس
يا ليت عينيك تراها حين صارت فرس
خراب لا للعزا تصلح ولا للعرس
وهكذا رأت العامية ضروباً من التطوير بما سايرت من أحقاب الزمن وما عاشرت من أشتات الأمم فطاوعت الحياة فى تلك المراحل من التدرج وكمنت فى ضميو العوام فكثر النظم والتدوين فيها بعد أفول القرن الرابع الهجرى فرويت القصص والمواعظ والحكم فكانت استجابة طبيعية لرغبة هذه المجموعةالضخمة من الناس وما كتاب ألف ليلة وليلة وقصة سيف بن ذى يزن والقصص الأخرى إلا تسجيل كامل لفترات مختلفة لتلك العصور.
واستمرت اللغة العامية تتغلغل وتنتشر بين طبقات الشعب قاطبة حتى إذا كان النصف الثانى من القرن الرابع الهجرىبرز شعراء شعبيون فى أكثر مدن العراق الكبرىمثل أبى الحسن محمد بن لنكك البصرى وما أشبه شعره فى الملاحة ومن قوله فى هجاء أبى رياش..
كأنما قمل أبى رياش مابين صبئان قفاه الفاشى
وذا وذا قد لج فى انتفاشى شهدانج يرد فى حشاشى
ولم تقف اللغة العامية عند حد مساواتها مع الفصحى فى الفنون الشعرية بل ذهبت إلى أكثر من هذا فقد شاركت الموشح بخرجتة، ونخلص مما قدمنا أن اللغة العامية نشأت بعد إتساع الدولة الإسلامية وزاد اللحن واللكنةبين العامة حتى أصبحت اللغة الملحونة بمعزل عن اللغة الفصحى....
















" فنون الشعب القولية "
-----------
الفنون الشعبية : تعد الفنون الشعبية واحداً من أجناس الثقافة الشعبية وتعتبر هذه الفنون اللسان المعبر عن حال أى شعب ومدى رقيه واتقاءه ثقافياً كما تعد الشاهد الوحيد على ما يملك من حضارة سواء كانت قولية أو حركية أو موسيقية أو تشكيلية أو دراما شعبية ومن خلال هذه الفنون تعرف كوامن هذا الشعب وخفاياه كما ليسهل من خلالها تكوين الإنطباع عن بساطة هذا الشعب أو تعقيده ومعرفة مستواه المعيشى وما يحيط به من شعوب وحضارات ومن خلالها أيضاً يمكن لأى وافد غريب أن يعرف طريقه إلى قلوب أفراد الشعب وبذلك يسهل عليه التأثر بهذا الشعب والتأثير فيه واستمالة هذه القلوب أو استنفارها وعليه فقد قصرنا دراستنا هذه على واحد من أهم هذه الفنون وهو الفنون القولية:-
الفنون القولية:-
والفنون القولية الشعبية أو العامية غالبا ما تكون شفاهيه وتنتقل بين الأزمنة عن طريق الإلقاء والتلقى ولذلك يطلق عليها " الخطاب الشفاهى" وهذا النوع من الفنون تكثر فيه الأنماط والأشكال وتتعدد فيه الأغراض الأدبية ويطلق عليه البعض الأدب الشعبى مجازاً لإحتوائه على الشكل الأدبى الذى يشبه إلى حد ما الأدب الكلاسيكى وعلى اعتبار أن الأدب نوع من الفنون كلاسيكياً كان أو شعبياً وعلى ذلك يمكن تقسيمه إلى:-
أ- الشعر الشعبى:- وينفرد الشعر الشعبى بأنماطه وأنواعه وأغراضه التى تميزه عن الأنماط والأشكال المكونه للشعر النمطى أو الكلاسيكى غير أنه أى الشعر الشعبى يعتمد كلية فى نظمه على المناسبات والحالات الشعورية التى تنتاب الشاعر فى مناسبة ما ففى الحزن يكون الشعر الشعبى " بكائية" أو " عدودة" وهذا الشكل من الشعر الشعبى تنظمه النائحات ويختلف فيه القول حسب حالة الميت فمثلا ما يقال فى رثاء رجل لا يقال لامرأة والعكس ما يقال لمن مات نتيجة مرض عانى منه طويلا غير ما يقال لمن مات فجأةً أو فى حادث من الحوادث كالغرق أو الحريق ، وما يقال فى رثاء من مات فى بلده وبين أهله غير ما يقال لمن مات غريباً وهكذا وفى الفرح يتخذ الشعر الشعبى شكل الأغنية وفى هذه الحالة يختلف الحال بإختلاف المناسبة فمى يغنى للحاج الخارج لحج بيت الله الحرام غير ما يغنى للزواج غير ما يغنى فى حفلات الخطوبة غير ما يغنى لحفلات ختان الصبية غير ما يتعنى به المنشد فى حفلات الذكر، وقد يتخذ شكلاً آخر إذا كان القائل للشعر فلاحاً يعمل على شادوفه أو نورجه أو ما شياً وراء دابته التى يحمل ظهرها محاصيله أو سباخه وفى هذه الحالة يسمى ما يتغنى به الفلاح" حدوة " والحدوة تتخد غالباً نمط المزدوجات أو المربعات ولا تزيد عن ذلك.
إلا أن الشعر الشعبى فى بعض الأحيان يتخذ لنفسه شكلا مطولاً قد يتعدى المربعات إلى الخماسيات والمسبعات ويكون موالاً ويسمى عند العامة ( بالدور) والدور قد يتسع فيه المجال إلى المسمطات والتساعية وله أغراض عديدة متعددة،
ويتخذ أيضاً شكل القصيدة المطولة التى تحكى موضوعاً أو سيرة ذاتية لشخص ما من أفراد الجماعة الشعبية أو تناول جانباً معيناً من جوانب حياته كحكاية " شفيقة ومتولى " وإنتقامه لعرضه وشرفه وكحكاية حسن ونعيمة وما تروى من صور العشق زكذلك حكاية " شلباية" وحكاية قميص النبى الذى أعطاه صلى الله عليه وسلم للأعرابى الفقير ويسمى هذا النوع من الشعر " بالملحمة الشعبية ".
وقد تزداد طولا عن النمط السابق فتتناول ترجمة شعرية شعبية لرمز من رموز الشعب بشكل يشمل على كل ما كان فى حياة هذا الفرد منذ ولادته حتى وفاته ويسمى ذلك باسم
" السيرة الشعبية " كسيرة عنترة وأبى زيد الهلالى وسيرة سيف بن ذى يزن وقد يصل تقسيم تلك السير إلى فصول وأبواب وان كتبت ودفنت صارت مراجعا تاريخية شعبية

ب- النثر الشعبى والنثر الشعبى يتخذ شكل القصة القصيرة الكلاسيكية والأقصوصة وغالباً ما يكون أبطال هذه القصص من بنى البشر لكنها تدخل فى إطار الأسطورة الخرافية ويكون للحيوان فيها دور بارز يعبر عن الشر إذا كان الحيوان مفترساً ومعبراً عن الخير إذا كان أليفاً كما قد يكون فيها البطل طيراً ومن الملاحظ أن الطير غالباً ما يكون دور البطل الثلنى فى بعض القصص ويأتى به فى الأدوار المساعدة على حل المشكلات أو إعادة حق ضائع أو الإعانة على فعل الخيرحتى لو كان ذلك بصناعة المعجزات ، ويختلف ذلك بإختلاف رؤية القاص لملابسات القصة وحتمية وجود العقدة والحل لجذب السامع والإستحواذ على مشاعره مع ضرورة ملاحظة الإضافة والحذف فى الرواية الواحدة حسب إجادة الراوى لفن الرواية وامتلاكه ثروة لغوية تساعده على الإتيان بالألفاظ الجذابة المقنعة للسامع بالمنطق الخرافى والإسطورى البعيد كل البعد عن الواقع وما فيه من مشكلات فكل هذه القصص مبنية على ذلك المنطق، وإلا كنا قد رأينا فى الواقع الطير والحيوان ينطق ويتكلم ويفكر وفى كل أشكال هذا الفن النثرى نجد أسماء واحداً هو " الحدوتة " وتحت هذا الاسم تندرج الأسماء الكثيرة كالشاطر حسن ، وست الحسن ، والسبع بنات ولنا إن شاء الله دراسة مفصلة فى ذلك فى الجزء الثانى من هذه الدراسة ،




























الفصل الأول "

"تاريخ الأدب الشعبى المصرى

لقد كان من الحتمى أن نفسر معنى الأدب الشعبى منذ وجد الأدب وكما يوجد الآن وكما سيوجد إلى غلية ما ندركه من العصور والعهود لقد كان (3) الأدب شعبياً منذ وجد فى أمة من الأمم الغبرة والحاضرة كان شعبياً فى بوادى العرب وحواضرهم وكان شعبيأ فى الدول العربية وكان شعبياً فى لغة الإغريق وكان شعبياً فى اللغات الأوروبية الحديثة وهو غداً شعبى وبعد غدٍ شعبى وفى كل عصر شعبى. شعبى. شعبى ولايمكن أن يكون شيئاً غير ذلك وأن أريد عليه بالإكراه ولن يدوم إكراه للأدب ولو اجتمع علية الثقلان هل قال امرؤ القيس شعراً لا يتغنى به الأعراب والسوقة فى البادية والحاضرة وهل كان قصائد المديح تستحق درهماً من الخليفة الأموى أو العباسى ولو كان الخليفة هو قارئه الوحيد.
وعندنا فى مصر من كان يقرأ ملاحم الزير سالم وأبى زيد الهلالى وسيف بن ذى يزن وأشباههم من أصحاب السيرة والغزوات ؟ أكانت للملوك تنتظم وتنشد للشعب وجمهرة المستمعين؟
" فالشعب(4) هو قبلة الأدب فى كل عشيرة وكل أمة وكل لغة وليس من الأمناء المنصفين للشعب من يحسبه معرضاً عن كل معنى إنسانى غير ما يقال عن حشو المعدات وغطاء الجلود... إن الشعب إنسان.
وبعد هذه الحقيقة التى تقررها يجرى عليها المذهب الذى يذهب إلى اليمين حيث نذهب إلى الشمال ويغوص فى جوف الأرض حين نصعد إلى السماء والأدب لا يكون أدباً إلا إذا كتب باللغة العامية التى يفهمها أحد غير الأميين ولا يبدأ القارئ بالإطلاع عليها إلا خرج من عداد الأميين "
ولقد سقنا هذه الأمثلة من أقوال وكتابات السابقين من الأدباء لندلل على أن الأدب هو روح الشعب وهو أيضاً قبلة الشعب وهو أيضاً ملك الشعب ومن الشعب وإلى الشعب فمن الشعب قيل ومن الشعب يسمع وعن الشعب يعبر.
أولا : عروض الأدب الشعبى:-
والأداب الشعبية العامية إذا صح إطلاقها على أدب الشعب تقوم كلها على الأوزان العروضية التى قامت عليها أشعلر اللغة الفصحى وينظمها الشعراء الشعبيون على قواعد البحور والقوافى التى نظمها شعراء الفصحى من امرئ القيس إلى المتنبى إلى البارودى وشوقى ومن نشأ بعدهم إلى هذه السنة الهجرية أو الميلادية فالمسألة إذاً عند دعاة التجديد المزعوم مسألة جهل للشعب وافتراء عليه ومثالنا فى ذلك قولهم ..
منى لسيد الزجــــــــــالة ألفين سلام فوقهم بوسة
مالوش نظير فى الرجالة يخلق من الهابيك دوسة
وإن عدد البحور التى نظم فيها شعراء اللغة العامية أزجالهم يزيد على عدد البحور التى احتوتها دواوين الشعراء الأقدمين والمحدثين من أقدم أيام الجاهلية إلى العصر الحالى
فلا صعوبة فيها على السليقة الشعرية عند الزجالين ومنهم أميون لا يكتبون ولا يقرأون ولم يسمعوا باسم الخليل بن أحمد واضع علم العروض وإنما كانوا جميعاً فنانين مطبوعين على النظم معولهم كله على السليقة التى تجرد منها أنصار الشعر " الحر" وأبى عليهم الكبر والغرور أن يعترفوا بالعجز فأرادوا أن يموهوه على الناس باسم التقدمية والتحررية:-
وتأكيداً لما نقول نسوق لذلك مثالاً من أكثر من وزن عروضى كقولهم:-

جعران عشق خنفسة وخلع لها توبه
وبنى لها قصر وشــــــال لها طوبة
مايوافق الزبون الزفت إلا محبوبه

وكذلك قولهم :-
إن ركبت إركــب جـــــارح أم الركاب على الجنب تلوح
إن قامت عيطة كيت إمبارح صاحب المهيرة فين يروح
وأيضاً قولهم :-
زماننا زمــــن الكلبـــــات ولمض الجاز بطلوها
شوف الناس اللى بلا أبات بقيت تحلف بأبوها

واخذ يظهر (5) فى أواخر القرن الثانى الهجرى وزن شعبى هو وزن المواليا ويحكى أن سبب ظهورة أن الخليفة العباسى هارون الرشيد منع الناس من رثاء البرامكة فأسرعت إحدى جواريهم تندبهم فى أشعار عامية على هذا الوزن " المواليا " كانت تختمها بكلمة "يا مواليه" فلصقت الكلمة بهذا اللون من الشعر وبذلك نجد أنفسنا أمام قضية من قضايا الشعر الهامة وهى اكتشاف أن العديد من الزملاء الباحثين والدارسين يخلطون بين الموال والمواليا كغرض من أغراض الشعر وكونه وزناً عروضيا ًمستحدث وأنه ليس إلا وزنا شعرياً من أشعار العامة جاء على لسان جوارى البرامكة وأنه ليس إلا تجديداً فى الأوزان الشعرية من قبل العباسيين فكثيراً ما كانت تزدحم ساحات الشعر فى ذلك العصر بأوزان مهملة ظلت تتناقل بين الأزمنة حتى عصرنا هذا غير أن العباسيين وشعراءهم جددوا فى القوافى كما جددوا فى الأوزان الشعرية حتى أن " أبا العتاهية" قال " أنا أكبر من العروض" عندما سأل عن إتيانه بأوزان مهملة فى بعض أشعاره.
وأخذ المواليا يصارع الأزمنة والأجيال حتى وصل إلينا بشكل واضح بما طرأ عليه من تجديد وتحديث فى الوزن والأغراض إلا أن القافية ما زالت على ماكانت عليه منذ العصور الأولى للإسلام- كما تغيرت أسماؤه حتى وصل إلينا تحت اسم الزجل.
الزجل:-
هو (6) نوع من أنواع الشعر تغلب عليه العامية ويعد من فنون الأدب الشعبى ومن أبرز الذين نظموا فيه شاعر العامية الأول "بيرم التونسى"
" وفن بيوم يمتاز بخصوصية ينفرد بها دون جميع الأثار الأدبية التى بين أيدينا وهى النفوذ واتساع دائرة المخاطبة ولم أر أدباً يشترك العامة والخاصة فى تذوقه واستظهار أطايبه كأدب بيرم وذلك لما يمتاز به من الجمال والواقعية وصفاء الرؤية ومعايشة الأحداث التى مرت بنا وتعقبها وتسجيلها من الزاوية التى يسقط عليها بحسه الفنى ثم يقدمها من خلال نظرته الساخرة ولقد قال أمير الشعراء أحمد شوقى " إنى لا أخاف على الفصحى إلا من أزجال بيرم ".
ومن نماذج الزجل الجيد قول بيرم التونسى يهاجم المجلس البلدى فى وقت الإستعمار فيقول
:
يابائع الفجل بالمليم واحدة كم للعـــيال وكم للمجلـــــس البلـدى
كأن أمى بل الله تربتــــها أوصت فقالت أخوك المجلس البلدى

وكما أن هناك أدباً لا يكتب إلا بالفصحى كالقصيدة التقليدية والمقال الأدبى والدراما التاريخية فإن هناك أدباً لا يكتب إلا بالعامية كالزجل والموال والحواديت الشعبية وما إلى ذلك من فنون الأدب الشعبى، وسيبقى أدب العامية إلى جانب أدب الفصحى طالما بقيت هذه الظاهرة اللغوية طالما بقيت للحياة اليومية البيئية لغة وللكتابة الرسمية لغة.
ويتضح لنا مما سبق أن الرأي الثاني لم يبعد بنا عن الأول كثيرا صغير أن الرأى الأول أكد على أن المواليا ظلت تصارع الحقب الزمنية المتعاقبة حتى وصلت إلينا فى صورتها الحالية وهى الزجل وأن المواليا ليست إلا وزناً عروضياً ولا علاقة لها بالأغراض الأدبية إلى أن جدد فيها المصريون على مدى العصور الماضية ولكى نعرف كيف تطورت هذه الأغراض كان لزاماً علينا أن نعرف أولاً كيف دخلت المواليا مصر ومتى...
المواليا فى مصر
يصعب (7) على أى باحث أن يحدد الفترة الزمنية التى دخل فيها فن المواليا للديار المصرية باليوم والشهر والسنة ويصعب أيضاً مفرفة من جلبها من موطنها الأول العراق لأن كتب الأدب لم يتعرض لهذا الحدث التاريخى والأدبى ، لكن البعض مر عليه كسحابة صيف ونحن نعمل لبذل الجهود لمعرفة ذلك عن طريق بعض الآثار التاريخية، والنصوص الأدبية إذا أن بن خلكان ( 608 – 681 هـ ) ينسب مواليا لابن الفارض المتوفى سنة 632 هـ ويقول أنه لم يرها فى ديوانه ولكنه ينسبها إليه وهى :-

قلتو لجزار عشتقنوكم تشرخنى
قتلتنى قال: ذا شغلى توبخنى
ومال إلى وباس رجلى يريخنى
يريد ذبحى فينفخنى ليسلخنى

ويقول ابن خلكان (8)وقد كتبه على اصطلاحهم فإنهم لا يراعون فيه الاعراب والضبط بل يجيزون فيه اللحن ،بل إن غالبه ملحون فلا يؤاخذ من يقف عليه
وإننا إذا انطلقنا من هذه النقطة لنستطيع تحديد الفترة الزمنية التى دخل فيها هذا الفن الديار المصرية وهى النصف الثانى من القرن السادس الهجرى أى فى الوقت الذى دخلت فيه الموشحات والأزجال مصر من الأندلس فالتقى الأدب العمى المشرقى والأدب العامى المغربى فى مصر فى وقت واحد حيث الاستقرار السياسى والإهتمام بالأدب والأدباء ، وقد أحب المصريون المواليا فأخذوه وبقى عندهم حتى صار وكأنه من تراثهم.
وهذا الذى (9) حدا بابن خلدون حين يتكلم عن المواليا ويبدو عليه أنه سمع بعض النصوص فتأثر بها فقال " وكان لعامة بغداد أيضاً فن من الشعر يسمونه المواليا وتحته فنون كثيرة يسمون منها القوما – الكان كان – ومنه فى بيتين يسمونه الدوبيت على الإختلافات المعتبرة عندهم فى كل واحد منهم وغالباً ما يكون منها مزدوجة من أربعة غصون وتبعهم فى ذلك أهل القاهرة وأتو فيها بالغريب ويذكر لنا ما علق بحفظه قال:
هذا جرى حى طريا والدما تنضح
وقاتلى يا أخي فى الفلا يمرح
قالوا ونأخذ بثارك قلـت ذا أقـــبح
ولغيره
طرقت باب الخبا قالت من الطـــارق
فقلــت مفــــــتون لا ناهب ولا سارق
تبســـمت لاح لى من ثغـــــرها بارق
رجعت حيران فى بحر أدمعى غارق
ولغيره
عينى التى كنت أرعاكم بها باتت
ترعى النجـــوم بالتسهـــيد أقتات
وأسهم البين صـــابتنى ولا فاتت
وسلوتى عظم الله أجـــركم ماتت

وعلى أيه حال فإن فن المواليا انتشر فى مصر فى القرون التى تلت القرن السادس وسار هذا الفن على لسان المصريين بحيث شمل كل الأغراض التى تطرقت إليها كل الفنون الشعبية الأخرى وبلغوا قمة النظم فيه فى القرن الثامن والتاسع والعاشر الهجرية وما زالوا ينظمون فيه حتى الوقت الحاضر ، ووجد المصريون فى هذا الفن مجالاً واسعا ًلضرورة الشعر واشتهر به مواله كثيرون ومن أوائلهم احمد بن محمد شهاب الدين المشهور بالغار الشطرنجى وسار فى نظم المواليا حتى قال الصلاح الصفدى " وأنشد فى الأديب شهاب الدين بالقاهرة مواليا قال:

غنت فأغنت عن المسموع فى الأقطار
ودقت الدق أجرت أدمعى أمطـــــار
وصرت فى حبها لا أختشى أخطار
لما استمع لب قلبى من يديها طــــار
وكان كذلك من الموالة محمد بن على شمس الدين أبو عبد الله المصرى الأصيل ومن المواليا التى تنسب إليه.. عانيت من ذنب هجر وبالوفا مغفور
فى المهر يسبح وحظه بالبها موفور
شبهت من فوق ردفه شعره المضفور
ألف من المسك فى صفحة من الكافور
وكذلك الشيخ احمد بن عبد الله الدمياطى المعروف بالشيخ حطيبة كان ينظم المواليا فيقول:-
ســــــرى فضحت وانت ســرك صنت
قصدى رضاك وانت تطلب منى العنت
ذليت من بعـد عزى فى الهوى ووهنت
يا ليت فى الخــــــلق لا كنا ولا كــــنت
وفى القرن نفسه اشتهر عبد الله بن أبى الفرج بن موسى القبطى فهو يتغزل بمحبوبه صاحب العيون الزرق فيقول:-
نبال لحظ الرشا فى وسط قلــــبى مرق
والبيض والسمر ماسود الزرد والرزق
عاشق أصفر ململ لهجته فى الطـــرق
خد أخضر وخد أحمـــــر وعنين زرق

ولقد طور المصريون فن المواليا من حيث التركيب الشكلى له فقد كان ينظم فى بدايتنه من أربعة أقفال فقط ثم انطلقوا به من أربعة أقفال إلى خمسة وسموه " الأعرج " وبهذا يقول الأستاذ فهمى عبد اللطيف" ولكنهم فى العهد الأخير طوروا نظم المواليا ، فهم ينظمونه أيضاً من أربعة أشطار متحدة القافية ولكنهم قبل الشطر الأخير يدخلون شطراً خامساً أو شطرين من القافية المغايرة حتى يستطيع أن يجمع المغنى صوته لأداء الوحدة المنتظرة فى الشطر الأخير" ويأتى بهذا المواليا..

يا واخد القرد أوعى يخـــــدعك ماله
تحتار فى طبعه وتتعذب بأفعــــــــاله
حبل الوداد إن وصلته يقطـــع أحباله
تقضى عمرك حليف الفكر والأحزان
ويذهب المال ويبقى القرد على حاله

ولم يكتف المصريون بالمواليا الخماسى بل عدوه على السباعى وسموه " النعمانى" وهو يتألف من سبعة أقفال الثلاثة الأولى بقافية واحدة وجناس واحد والثلاثة الأخرى بثلاثة أقفال مغايرة للثلاثة الأولى فمن قولهم فى التغزل وهو يخاطب حبيبته قائلاً..

ياجاهل الحـــب تعــــــالى أديك أوصافه
ده اللى انشبك أمس صبح اليوم أوصافه
من شان غزال زين جرح القلب أوصافه
وان أحسن المحــب يداوى ميتو بهـــواه
لا نوا كثير أصل سموه المــــلاح بهـواه
والعـــــنق لولى وزان الكــــتف أوصافه
والمواليا المصرية طرقت جميع الأغراض التى تطرق إليها الشعر المعرب وزادت عليه ولكنه كان أبان وصوله إلى مصر تناول ثلاثة أغراض هى قرقيا، وبلقيا ، ومكفراً ، أما الأولى وهى :-
القرقيا:- أما القرقيا فهو الشعر العامى الذى يشمل على الهزل والفكاهه وما يتصل بهما كقولهم...

عندى مرة لفلوسى دوم نقـــارة تعض تكدم شبيهة الكلب عقارة
بناب مبرد وأبرد من هوى قارة حولا وعرجا وكادومة ومنقارة

ويذكر الجبرتى وهو من مواليا " القرقيا " ونسبه للشيخ حسن شحته عمله فى الشيخ محمد سالم الحفناوى الشافعى المصرى قال الشيخ حسن شحته

قالوا تحـــب المدمـــس قلت بالزيت الحـــــار
والعــــــيش الأبيــض تحــــبه قلت والكشــكار
قالــــــوا:تحب المطـــبق قلـــت بالقنــــــــــطار
قالوا : إيش تقول فى الخضارى قلت عقلى طار

وقال على بن سودون

أنا أحب الكنافة فى شــــــراب نوفر
ولو رموا فوقها فستق على ســــكر
ألا تكون فى طبق والصحن إن فشر
وقال: إنا لك مليح قل ذا أملح وأكثر

البليق :-(10) والبليق بضم الباء وكسر اللام وتشديد الياء مع الكسر وسكون القاف ويشمل هذا التغزل وهو باب واسع فى هذا المجال . سنعرض له بالتفصيل فى السطور التالية فهو ما تضمن الغزل والخلاعة وجمعته العمة على بلاليق وأخذت مصر منذ القرن السادس الهجرى تشترك فى صنع الزجل بأنواعه وأخذت تلطف أساليبه وأوزانه حتى بلغت فيه غاية لا تكاد تدرك وكما أقبلت على الزجل بالمعنى العام أقبلت على البليق ويقول على طريقة الزجل وهذا من الطراز العالى فى هذا الفن وهو عنوان كافٍ عن غيره واشتهر فى ذلك القرن "ابن دقيق العيد" ينظم البلايق ومثله " سراج الدين عمر بن مولاهم " وتظل الأزجال حية فى الحقية العثمانية ومثلها "المواليا " وهو الفن الشعبى الثانى الذى استكثر منه المصريون ومعروف أنه يخرج من البحر البسيط ونجده فى ديوان بن الفارض الصوفى واشتهر به فى عصر المماليك أبو بكر بن العجمى عين كتاب الإنشاد فى مطلع القرن التاسع الهجرى وكان إمام المواليا لزمنه وضروبه التشعبية ومن مواليه:-
للحب قالوا معناك الذى أذبلتو جدلو بقبلة مقبلو فيك خبلتو
فقال أقسم او أن البوس سبلتو ومات للشرف مادرتو وقبلتو
وتظل المواليا حية حتى فى أيام المماليك وأيضاً فى أيام العثمانيين وكانت تتوزعها من القرن السابع الهجرى الأنواع التى مرت فى الزجل وهو البليق وقد أنشد الجبرتى من أمثلته الغزلية قول الشيخ شمس الدين الحفنى
خطــــــر على غزال مـــر ما اتكلم فوق جفــونه وقلـــبى والحشا أكلم
ايش كان يضره إذا بالرأس لى سلم حتى أسر مهجتى لولا السلام سلم
والصدارة فى هذه الفنون كانت لهذا النوع وقد تلاه فى ذلك نوع آخر نرى أنه أمكثر جمالاً من سابقه لإحتوائه على أغراض عدة وهو المكفر...
المكفر...
بضم الميم وفتح الكاف وكسر الفاء مع التشديد وسكون الحرف الأخير
ويقصد به الشعر العامى الذى يشمل على المواعظ والزهد وتفرع عنها الحكم والنصائح والنظر فى أمور الحياة والنيا والتفكير فى البعد عن الذنوب كقول أحدهم ينصح الآخرين ليتخذوا الآخرة مأوى لهم فيقول دعك من اتباع الهوى الذى يسلمك إلى التشكيك وكن معتقداً بالله واجعل ذكره سلافة فمك دائماً فيقول:-
يا مبتغى طرق أهـــل الله والتشـــكيك
دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكيك
إن اذكرونى لرد المعــــــترض يكفيك
فاجعل سلاف الجـــــلالة دائماً فى فيك
وينظم أيضاُ المكفر فى الحب الإلهى والميح النبوى والمواعظ ومن ديوان ابن الفرض منه أمثلة كثيرة ومتعددة ويسوق الجبرتى قول الشيخ شمس الدين الحفنى أو الحفناوى وهو مواليا يمكن قراءتها معربة على هذا النمط..
بالله يا قلب دع عنك الهوى واسلم من كل ميل ووافى عهدهم أسلم
والزم حما ســادة من أمهــــم يسلم واسلك سبيل التقى يوم اللقا أسلم
" القوما "
------- ويعد هذا النوع من المواليات هو الرابع منها والقوما كما يقول صفى الدين الحلى خاصة بالسحور فى شهر رمضان وكأنها اشتقت من قول المغنين فى رمضان عند نهاية كل بيت من أقوالهم " قوما – قوما للسحور " ولكن وحتى وقت كتابة هذه الدراسة لم يقع تحت أيدينا ما نسوقه من أمثلة لهذا النوع من المواليا ، ويبدو أن المصريين حاكموا " القوما " العراقى إذ نرى الجبرتى فى الحقبة العثمانية يتوقف مراراً ليقول إن هذا الشاعر أو ذاك كان ينظم فى الزجل والقوما والكان كان والبليق
الكان كان.
والكمان كان هو خامس أنواع المواليات وهو خاص بالحكايات والخرافات والمراجعات فكأن قائله يحكى ما كان وكان غالبا ما يكون الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثانىويقال إن فن القوما وكذلك الكان كان لا يعرفهما سوى اهل العراق يحكى أن بن تغرى بردى له منه منظومة فى موقعة " قصوف" ساقى الناصر قلاوون وما كان من قتله مهى تستهل على هذا النمط...
من الكــــرك جانا الناصر وجب معاه أسد الغابة
ووقعتك يا أمير قوصون مــا كانت إلا كــــدابة
"تعريف المواليا "

-------------
المواليا:-
هى (15) هى شعر شعبى من البحر البسيط غالباً ما ينفرد به المغنى فى استهلالات الألحان تمهيداً للدخول فيها قيل أن أول من نطقوا بالموال هم موالى البرامكة العباسيين والمواويل نوعان الخصر والحمر والنوع الأخير شائع فى الصعيد ويمتاز بالإكثار من ألفاظه وقوافيه حتى التجانس...
غير أن الدكتور/ جلال صابر حجازى. كان قد عرفها تعريفاً أكثر وضوحاً فقال
بانها(16) مأخوذة أو منحوته على غير قياس فى العصور المتأخرة مما عرفها التاريخ الأدبى العربى منذ القرن الثانى الهجرى – الثامن الميلادى باسم "المواليا" وهو فن جديد من الفنون الشعرية المستحدثة التى ظهرت بين الطبقات الشعبية فى بلاد المشرق الإسلامى فى العصور العباسية المتتابعة فى إطار محاولات الخروج على نظام القصيدة العربية الموروثة من حيث وحدة قافيتها طلباً للسهولة والسيرورة بين عامة الناس تأليفاً وغناءً وسمكاعاً وكانت المواليا فى بداية أمرها معربة فصيحة تتألف من بيتين فقط من بحر البسيط القابل للغنائ والترنيم وفى نهاية كل شطر من البيتين قافية على روى واحد وبعبارة أكثر وضوحاً: هى فى أصلها مقطوعة معربة من بيتين من بحر البسيط ذات قوافٍ على روى واحد يبدعها الشعراء ويلحنها المغنون البسطاء فى أعمالهم الحياتية وفى مناسباتهم الإجتماعية المختلفة وفى تجاربهم الذاتية الحزينة أو السعيدة وكانوا يطلقون على كل مقطوعة منه صوتاً.
ويذكر مؤرخو الأدب ونقاده فى نشأة هذا الفن ومواطنه وأغراضه وسبب تسميته بهذا الاسم:-
إن أول من نطق به " أهل واسط " فى القرن الثانى الهجرى وذكر صفى الدين الحلى أنه سمى بهذا الاسم لأن الواسطيين لما اخترعوه وكان سهل التناول لقصره وتعلمه عبيدهم المتسلمون عمارة بساتينهم والفعول والمغامرة والأبارون فكانوا يغنون به فى رءوس النخيل وعلى سقى المياه ويقولون فى آخر كل صوت مع الترنيم " يا مواليا " إشارة إلى ساداتهم فغلب عليه هذا الاسم وصاروا ينظمونه فى الغزل والمديح وسائر الأغراض على قاعدة التقريض.
ثم انتقل هذا الفن إلى (بغداد) فاستعمله عامتهم فلطفوه ونقحوه وقفوه وحذفوا منه الإعراب وحولوا لغته إلى عاميه ملحونة واعتمدوا على سهولة اللفظ ورشاقة المعنى ونظموا فيه الجد والهزل واشتهروا فى ذلك حتى كاد المؤرخون ينسبونه إليهم ويتناسون أهل واسط.
وجاءت حادثة البرامكة فساعدت على سرعة انتشاره بين الناس بعد أن تخلى عن إعرابه وفصاحته إذ ذكروا أن جارية لجعفر البرمكى رثته بهذا الفن الجديد وكانت تنشده وتقول بعد كل مقطوعة منه ( وامواليا) أو ( يا مواليا ) كما كان يقول أهل واسط ولما حملت الجارية إلى الرشيد وكان قد منع من يرثيهم بشعر- قالت ليس هذا شعراً لأنه عامى ملحون.
ومن بغداد انتفض هذا الفن وشاع واشتهر فى سائر الأمصار فعرفته مصر والشام وغيرهما من البلاد العربية وذاع بين الفئات الشعبية فى سائر الأغراض الشعرية من غزل ورثاء وهجاء ومديح وزهد بعد أن حلت قيود إعرابه وفصاحته وبعد أن أفتى الإمام السيوطى رحمه الله بوجوب اللحن فيه وجواز استخدام الألفاظ الجارية فى خطاب العوام من الناس فى تأليفه ويمكن تعريفه أخيراً بعد هذه المراحل التى قطعها فى مسيرته التاريخية التى أطاحت أخيراً بتاج فصاحته وإعرابه بأنه :-
" بيتان ملحونان من بحر البسيط تقفى شطورهما الأربعة بقافية واحدة " ومن نماذجه الغزلية قول الحكيم بن السويدى الشامى...



البدر والسعد : ذا شبهك وذا نجمك (17)
والقد والحسن : ذا رمحك وذا سهمك
والبغض والحب : ذا قسمى وذا قسمك
والمسك والحسن : ذا خالك وذا عمك
هذا وقد تطور اسم المواليا فيما بعد إلى الموال مما يدل على أن الأخير مأخوذ من الأول ومنحوت منه وإن كان على غير قياس كما ذكرنا سلفاً.
وقد ذهب أستاذنا المرحوم الدكتور (عبد الحميد يونس ) إلى أن الموال مأخوذ من ( الولولة ) دون أن يوضح كيفية هذا الأخذ ، وهنا نجد أنفسنا بين ثلاثة آراء حول تعريف المواليا وكل رأى منهم يناقش فكرة معينة ويعتمد على مرجعيته الخاصة ومنهجيته المتاحة..
فالأول وهذا رأى أستاذنا عباس محمود العقاد رحمه الله. نجد قد ذهب فيع إلى أن المواليا وزن شعرى شعبى ورأى أيضاً أن العديد من الباحثين يخلطون بين الموال والمواليا كغرض شعرى وبين كونه وزناً عروضياً مستحدثاُ ويؤكد على ذلك. أى على كونه وزناً عروضياً من الأوزان المهملة ليس إلا. وقد ظل هذا الوزن يصارع الأزمنة والأجيال حتى وصل إلينا فى صورة الزجل ، بيد أن أستاذنا – رحمه الله- لم يحدد بالضبط المكان الذى ظهر فيه المواليا أو أول من نطقوا به غير الواقعة التى وردت فى عدة مراجع وهى إحدى جوارى البرامكة كانت ترثى سادتها بهذا النوع من الشعر الملحون هروباًمن عقاب الخليفة العباسى هارون الرشيد ووعيده امن يرثيهم بشعر فصيح .
أما الرأي الثاني وهو التعريف الوارد بالموسوعة الثقافية فنجده يذهب إلى أن المواليا شعر شعبى من البحر البسيط يمتاز بالإكثار من ألفاظه وقوافيه حتى التجانس ، وهذا الرأى قد انساق وراءه الكثير من الباحثين فى محاولة للالتقاء به فى تعريف المواليا.
أما الدكتور جلال صابر حجازى نجده أكد على أن المواليا لغوياً مأخوذة أو منحوته لغير قياس وأن تاريخ الأدب العربى قد عرفها منذ القرن الثانى الهجرى وأنها من جديد الفنون المستحدثة التى ظهرت بين الطبقات الشعبية فى الشرق الإسلامي فى العصور العباسية المتتابعة غير أنه رجع وأكد على أول من نطق به فى هم أهل واسط وأن البغاودة لطفوه ونقحوه ونظموا فيه الجد والهزل حتى كاد المؤرخون ينسبونه إلى البغاودة صراحة ويتناسون أهل واسط ثم جاءت حادثة البرامكة وساعدت على سرعة انتشاره بين الناس بعد أن تخلى عن إعربه وفصاحته وأستخدم فى الأغراض الشعرية من غزل ورثاء وهجاء ومديح وزهد خاصة بعد فتوى الإمام السيوطى بجواز استخدامه ووجوب اللحن فيه لاستخدامه فى خطاب العوام من الناس ، لكنه عاد أيضاً وأوجز تعريفه بانه " بيتان من الشعر ملحونان من بحر البسيط تقفى شطورهما الأربعة بقافية واحدة " وسلق لنا من قول الحكيم بن السويدى الشامى البيتين السابقين
وإن جاز لنا ان نرجح أحد الرأيين الخاصين بكل من استاذنا عباس محمود العقاد والاستاذ الدكتور جلال حجازى بعد استبعاد التعريف الوارد بالموسوعة الثقافية لا لسبب إلا أنه مختصر وغير كاف لدراسة والاستدلال من خلاله على حدث. أو أن نميل لأحدهما فإننا نميل بالرأى الأكثر إلى الرأى الذى أورده الدكتور / جلال حجازى لاعتبارات عدة نورد منها ما يلى ، مع توضيح بأنه لا إختلاف فى التاريخ للمواليا بين جميع الآراء
أولاً:- أن استاذنا عباس محمود العقاد قد أثر الشمولية على التخصص ولم يحدد لنا بالضبط أين نشأ ذلك الفن ولكنه لم يغفل عنصر التاريخ وقال بأن ذلك كان فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد .
ثانياً:- أن الدكتور جلال حجازى قد أكد استناداً إلى مراجعه على أن أول من نطق به – أى الموايا – هم أهل واسط ونقله عنهم البغاودة وهذا قد يدل عليه بشكل قاطع قدم أقليم واسط من حيث النشأه . إذ أن إقليم واسط أقدم فى نشأته من بغداد وكانت واسط أقرب من بغداد إلى خرسان ومرو الفارسيتين أما بغداد فقد أسسها الخليفة العباسى أبوجعفر المنصور سنة 145هـجرية بعد أن ترك الكوفة التى كانت حلقة الوصل بين خرسان التى منها انطلقت الدولة العباسية وبين الحميمة التى كان يقيم فيها بنو هاشم أثناء قيام الدولة الأموية والتى منها كان التدبير والتخطيط لقيام هذه الدولة- وهذا يؤكد قدم مدينة واسط على بغداد وبهذا يكون لها السبق فى ابتداع ذلك الفن " المواليا".
ثالثاً:- لقد أختلف ماورد فى شأن المواليا وكونها عروضاً شعرياً فقط أو أنها وزن من الأوزان المهملة من جهة أخرى وفى شأن كونها شعراً على البحر البسيط ونحن فى ذلك لا نرجح رأى واحد على آخر فقد فصل ما أورده الدكتور / صفوت زيد قائلاً " واعلريض الشعر أربع وثلاثون عروضاً استعملتها العرب وكثرت أشعارها وهى عند بعضهم ثلاثة وثلاثون عروضاً (18)
رابعاً: أما أن تكون أقاليم الشرق قد سبق أحدهم الآخر فى ابتداع ذلك الفن فهذا لا يؤكد إلا حقيقة واحدة هى أن المواليا فن شرقى ظهر فىواسط – على حد تأييدنا لرأى الدكتور صفوت زيد- ومنه انتقل إلى سائر البلدان العربية.
خامساً: أن المواليا عموماً هى ضرب من الشعر المستحدث ينظم ضمن اطار الغناء ولرتكزت عليه معظم أصواته لأنه لا يلتزم بقوانين اللغة العربية من حيث الإعراب وبذلك يقول جلال السيوطى بأنه يجب فيه اللحن وعليه يجوز استعمال الألفاظ الجارية فى تخاطب العوام من الناس لفظاً وخطاً معاً لأنك لو نطقت به حسب التخاطب وأخذت تكتب على قوانين الرسم المعتبرة مراعياً للحروف لغيرت وضع ما نطقت به وخالفت حروفه وكسرت وزنه وفوت عرض الناظم عليه من تجنيس أو غيره وهوتقسيم إلى رباعى وأعرج ، ونعمانى ، وزهيرى .
والمواليا من الفنون الشعرية السبعة التى جمعها الشاعر البدر الزيتونى المصرى مى مواليا من نظمه قال فيها :-
قوما لدوبيت قاضى قد زجل شينى
بكان وكان امتدح بين الورى زينى
ونقــــــل موشــــح مواليا بلا مينى
فابحر الشــــعر مجراها من العينى
وقد أشرنا إلى الفنون السبعة بالمداد الأسودحتى يتسنى للقارئ معرفتهم ويجدر بنا الإشارة إلى أن شعراء العامة فى المواليا قد نظموها على أشكال وتراكيب مختلفة فأبدعوا وتغنوا بالنظم فيها على طريقتهم الخاصة ولا سيما عامة بغداد ومخترعوه أهل واسط كقولهم:-

يا نفس قاسى ضبابات الهوى قاسى
الحب من بعد لينه قد غــــــدا قاسى
وقد ملا من مداد الهـــجر لى كاسى
حتى غــــدا بثياب الســقم لى كاسى

ثانياً: قافية الشعر الشعبى:-
قد تتعدد أغراض الشعر الشعبى بتعدد مشاعر الإنسان وعليه يتمكن الشاعر الشعبى من صياغة شعره حسب العامل النفسى الذى يمتلك الشاعر آنذاك ومروره بمراحل الإدراك ثم الوجد ثم النزوع وهى أيضاً تتعدد بتعدد الأفكار والموضوعات سواء كانت هذه الموضوعات قد صيغت فى السابق أو لم تصاغ وسواء كانت أغانٍ أو أناشيد أو قصص أو حكم أو مثال.أو ربما كانت بكائيات وقصص حروب وغزوات كالتى تحكى سيرة بنى هلال أو سيف بن ذى يزن قديما أو التى تقص المعارك الدائرة بين القط والفار وبين الطير وأشباه ذلك من ألوتن القصة أو الملحمة التى نظمها أناس مجهولون وعلى التحقيق أناس أحاطوا بأساسيات فن القص وتعلموا أوزان الشعر بالسليقة الفنية ولم يتعلموها فى الكتب ولا فى المدرسة ولا فى صفحات كتاب وقلما تجد من رواة الأدب الشعبى العامى من لا يحفظ حكم ابن عروس التى تقول:-

ما يرقد اللـــــيل مغبون ولا يقرب النار دافى
ولا يطعمك شهد مكنون إلا الصديق الموافى
وكذلك قوله:-
ما حد سالم من الهم حتى الحصا فى الأراضى
لا له مصارين ولا دم ولا هو من الهم فاضى
وهى كما نرى مصّرعة تلتزم القافية فى الشطرين الأول والثانى ولا تقتصر قافيتا على الشطر الأخير.... وأحدث من ذلك حكم الزجالين المتأخرين ومنها قول أحدهم " وهو الحاج /على النابى القفطى " يصف حاله داخل سجن قنا :
ولا يوم من الهم فقنا ولا فقناش من الهم واصل
سجنونا فى سجون قنا زنازين داخل حواصل
ونرى من ذلك كله أن الشعر الشعبى بكل أشكاله وألوانه المتعددة يلتزم القافية بحرف الروّى المعتاد أو الكرر وعليه نصنفها فيما هو آت.. حسب ما وصل إلينا من تجديد القدماء فى القافية منذ العصر العباسى الأول حتى الآن من مزدوجات – مربعات ومنظومات دورية
( مسمطات) واستعراض ماجد عليها من مسميات شعبية وأغراض غير أن الشعراء فى العصر العباسى جددوا فى القوافى كما جددوا فى الأوزان وصنعوا منها الأشكال السابقة ذكرها من مزدوجات ، مربعات ، مسمطات وكأن المواليا لم تبدأ عامية ملحونة وانما بدأت فصيحة ثم تحولت إلى العامية إذ ازوّر عنها الشعراء كما ازوّر عن الأوزان المهملة السابقة وعلى نحو ماجددوا بهذا العصر فى الأوزان جددوا أيضاً فى القوافى مستحدثين ما سموّه
(أ) المزدوجات :-
والمزدوجات غالباً ما تكون على وزن " الرجز " لأنه أوفر الأوزان الغربية نغماً والقافيه فيه لا تطرد فى الأبيات بل تختلف من بيت لآخر بينما يتخد الشطرين المتقابلين وعادة ما ينظم على بحر "الرجز" وتنسب إلى الوليد بن يزيد منظومة من هذا الطراز صاغ فيها خطبة من خطب يوم الجمعة وإذا صح ذلك كان هو أول من استحدث هذا الشكل ثم تلاه العباسيون وفى مقدمتهم "بشار" إذ نعته الجاحظ بأنه صاحب المزدوج وإن كنا لا نجد منه أى أمثلة فيما طبع من ديوانه وبجرد أن ظهر الشعر التعليمى ازدهر هذا الضرب الجديد أو صاغ " أبان عبد الحميد " فيه كل ما نظمه من قصص وتاريخ وعلن ودين وكذلك صنع " محمد ابراهيم القزازى" فى مزدوجته الفلكية وإن جعل وحدتها ثلاثة شطور لا شطرين وقد نظم أبو العتاهيه من هذا النمط الجديد مزدوجته " ذات الأمثال" ويقول الجاحظ أنه لم يكن أحد أقوى على النظم فى المزدوجات من بشر بن المعتمر وأنه أقدم فيه من
( ابان بن عبدالحميد) وقد روى له فى الحيوان مزدوجة طويلة فى المجزن والخلاعة...
ونرى الفرس حين يعودون إلى لغتهم ويحدثون نهضتهم الأدبية يستخدمون هذا الضرب من الشعر فى قصصهم متخذين له اسماً جديداً هو " المثنوى" ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه هو الذى رشح لظهور الرباعيات فى الأدبين العربى والفارسى
* المزدوجات :- هى أراجيز طويلة يتحد فيها كل شطرين لبيت واحد فى قافية واحدة على حين تتخالف الأبيات فى قوافيها تخالفاً يتيح للشاعر أن يطيل أرجوزته كما يشاء دون عوائق القافية الموحدة فى جميع الأبياتويبدو انهم لاحظوا منذ أول الأمر واضحاً فى أنغام هذا الشعر لسبب تحطيم القافية الموحدة فيه وبتر أنغامها التلاحقة فاختاروا له وزن الرجز للدلالة على قولنا نسوق مزدوجة لابن وكيع التينسى التوفى سنة 393 وهى مزدوجة مربة بناها من أدوار كل دور بيتان يتحد شطورها فى القافية افتتحها بهذا الدور :-
رســـالة من كلف عميد حياته فى قبضته الصدود
بلغه الشوق مدى الجهود ما فوق ما يلقاه من مزيد
والمزدوجات على الغم من ندرتها فى الشعر الكلاسيكى تظل حية باقية ما بقى الشعر ناطقةً مادام على الأرض من ينطق بها وعلى الرغم من قلتها فهى كثيرة وواضحة وجليه فى أشعارنا العامية كقولهم :-
زمن الفضا راح وجانا زمن مايل نعدلها على اليمين نلقى الشمال مايل
-------------------------------------------------
الرباعيات :-
والرباعيات فى أدبنا الكلاسيكى والشعبى يشبه بعضها البعض فى تكوينه وأغراضه وقد عرفت المربعات منذ العصر العباسى وهو – أى المربع – يتألف من اربعة شطور تتفق أولها وثانيها ورابعها فى قافية واحدة أما الشطر الثالث فقد يتخذ نفس القافية وقد لا يتخذها مثل بشار مازحاً جاريته ربابة قائلاً :
ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
كما تكثر الرباعيات فى شعر أبى نواس وخاصة فى الخمريات والغزل ونستبعد أن تكون متقطعة مع مطالع قصائد له ضاعت لكثرتها عنده من أمثلتها...

أور الكأس وأعجل من حبس واسقنا ما لاح نجم فى الغلس
قهـــوة كرخـــية مشـــــمولة تنقــــل الوحــشة عنا بالأنس

المنظومات الدورية : " المسمّطات "
ولكن هذا النوع من المواليا يمثل نوعاً آخر من التجديد فى القوافى والأوزان وله أنماط عديدة ويسمى بالمسمّطات .
وقد اشتق اسمها من السمّط وهو القلادة " تنظم فيها عدة سلوك تجمع عند لؤلؤة أو جوهرة كبيرة وكذلك كل دور فى السمّط يجمع مع الأدوار الأخرى فى قافية الشطر الأخير فهى تتألف من أدوار وكل دور يتركب من أربعة شطور أو أكثر وتتفق شطور كل دور فى قافية واحدة ماعدا الشطر الأخيرة فى الأدوار المختلفة ومن ذلك سمى عمود المسمّطة ..
















الفصل الثالث
" الأدب الشعبى والأدب الكلاسيكى "

ولعنا بمقارنة الأدب الكلاسيكى بالأدب الشعبى والعكس نجد أنفسنا أمام قضية هامة هى الخلط وعدم الدراية بمثل هذه الأمور فالشعر العامى والشعر الشعبى لا يختلفان فى شئ إن بسيطاً عن الأدب الكلاسيكى فالأوزان وإن كان بعضها مهملاً فهى ثابتة وراسخة والقوافى أيضاً وكذلك الغراض ولكى نرى ذلك ونلمسه بأيدينا سوف نحاول جاهدين عقد المقارنة الحتمية بين الدبين فى القافية والأغراض والأوزان مستشهدين فى ذلك بالأمثلة التى سوف نسوقها مما وقع تحت أيدينا منها فى كلا الأدبين :-
أولاً.. تنظيم القوافى :-
أولاً .. المزدوجات
والمزدوجات كما سبق ذكرها فى الفصل الأول أنها على وزن الرجز لأنه أوفر الأوزان العروضية والقافية فيه لا تطرد فى الأبيات بل تختلف من بيت لأخر بينما يتخذ الشطرين المتقابلين وقد نظم الوليد بن يزيد ومن بعده بشار ثم محمد بن ابراهيم وأبان بن عبد الحميد ونرى الفرس أيضاً يستخدمون هذا الصرب من الشعر فى قصصهم متخذين له اسماً جديداً هو " المثنوى " على يد وكيع التينسى المتوفى سنة 393 هـ والمزدوجات هى أراجيز طويلة يتخذ منها كل شطرين لبيت فى قافية واحدة على حين تتخالف الأبيات فى قوافيها تخالفاً يتيح للشاعر أن يطيل أرجوزته دون عوائق القافية الموحدة فى جميع البيات .
وقد استخدمها الشاعر الشعبى وهذب فى أساليبها وأغراضها وسخرها لخدمته فى شتى مناحى ثقافته الشعبية ولعل ما نستطيع أن نسوق من أمثلة لذلك نجده فى الأبيات التالية:-
يا أبو البنات أوعى تقول نايم عدى البحورة وتعال لهم عايم
وفى هذا البيت يتضح لنا اشتراك الشطرين فى روى واحد ومو "الميم" واشتراكهما فى المعنى حيث أن كلاهما يكمل الآخر وفى كليهما يكمن المر والنهى فى نسق واحد بديع ورائع وعلى كلٍ نلاحظ المزدوجات فى البكائيات وأناشيد النواح على الجملة والتفصيل وهى نظم النائحات الجاهلات الاتى ينظمن أناشيدهن حسب رؤية النائحة للموقف ولا حصر لمثال هذه الأناشيد المأتمية فى نوعها وتنوعها على حسب المباسبات ولنا فى دراستنا هذه فصلاً مخصصاً لمسميات الأدب الشعبى وفى الألوان الشعرية التى تتخذ أيضاً شكل المزدوجات والتى يمكننا القول بهما فى بعض الأمثال الشعبية كقولهم ....
جات الحزينة تفرح ما لقيت لها مطرح
وكذلك قولهم :-
أردب ما هو لك ما تضر كيله تتعفر دقنك وينوبك شيله
ويلاحظ فى ذلك أن قائلى الأمثال يتفق لهم من "لزوم ما يلزم" الشئ الكثير والقدر الوفير كلزوم الكيل للأردب والأردب لزوم الربع حيث لا تكال الغلال إلا بالأردب " والكيلة والرفطاو" وتلك أيضاً من مشتقات الأردب .
ويلاحظ " لزوم ما يلزم" أيضاً فى المثال الأول. ولنا فيه بإذن الله تعالى وقفة خاصة ومن الألوان التى تتخذ فى مجملها شكل المزدوجات من أشعارنا الشعبية وأغراضها الشعرية الكثير والعديد ، ففى الغزل يقول الشاعر :-
حليوه نازلة بجرة ايديها تقلب حنانى ما تدرى التوب جرة ونعيد الرسم تانى
وفى الهجاء يقول الشاعر الشعبى :-
قالوا حقيقة جمسا وهلايل ولا تسعوا خيل خارج
ما تسعو غير القرب النغاغيص وترشوا كل المطارح

وفى المجون يقول الشاعر:-
صباح الخير ياللى الندا بلك إيش جاب الشعير للقمح يتملك
وفى الفخر قال الشاعر الشعبى:-
البع سبع وليه أهميه يموت من الجوع ولا ينزل على **
وفى الحكمة قال :-
ياللى انت غاوى الجمال فى القبر طل وشوف
تلقى الجمال أتدفــن والعضـــــــم بقى مكشوف
وعلى غرار ما قال محمد ابراهيم الغزازى صاحب المزدوجة الفلكية والتى جعلها ثلاثة شطور لا شطرين نظم الشاعر الشعبى فيه ما طاب له من أشعار فيما راق له من شعر من أغراض ، وكان من الأجدرأن يطلق عليها اسم " ثلاثية " صراحة نظرا لأنها تتكون من ثلاثة أشطر غير أننا لا نملك الدليل القاطع على تسميتها بالمزدوجة الثلاثية والذى ينفى عنها هذة التسمية المقترحة من قبلنا تماما ولعلها هى الصحيحة من حيث المنطق ومن حيث مطابقتها للواقع .... ففى السخرية قال:-
جعران عشق خنفسة وخلع لها توبه
وبنى لها قصـــر وشـــال لها طوبه
ما يوافق الزبون الزفت إلا محبوبه

وفى الشكوى قال :-
سؤالى للعين حبايبك فــــــين وحشونى
ليهم مده وسنين امانه غايبين وحشونى
والقلب قال آه غيابهم طــــال وحشونى
وفى الحكمة قال :-
منين أجــيب ضفضعة تشاخرنى وأشاخرها
مركب الود هبطــــــــت ونزلت أتاخــــرها
البين ضربنى قال: آوى الدنيا أولها وآخرها

وقد تردد المزدوج كثيراً على ألسنة الصبية أثناء ممارستهم لألعابهم..
يا طالع الشجرة هات لى معاك بقرة
تحلب وتسقينى بالملعقة الصينى
وقولهم :-
يا فاطر رمضان يا هالك دينك كلبتنا السودة تعضك فى عينك

والأغراض الشعرية تكثر دائماً فى الشعر العامى الشعبى واننا لنقول بان الرجل فى زرعه واثناء عمله على الشادوف إنما يقول شعراً على غرار الأقدمين.
ولم تقتصر جهود الأدباء الشعبيين عندما ذكرناه سالفاً ولكنهم أبدعوا فيه أجمل الإبداع واختاروا فيه أرق المعانى وأدق الألفاظ ولا يخفى علينا ما صنعته أيديهم فى تهذيب الأساليب من خبريات وإنشائيات أو الاثنين معاً محاولين إظهار نزوعهم الأدبى فى أجمل صورة قاصدين من وراء ذلك الوصول السريع إلى مسامع المتلقى ولمس مشاعره بصورة رقيقة أحياناوناصحة احيانا اخرى وخادشة للحياء فى مرة ثالثة مادحة مرة وهاجية أخرى ساخرة جامدة أحياناً مؤيدة مغازلة أحيانا أخرى فى بلاغة لا مثيل لها ولا نظير ولعلنا حين نسوق ماهو آت من الأمثلة لا نجد من الملتقى ضيقاً ولا زجراً فغرضنا من كل ذلك هو إمتاع القارئ من ناحية وعرض هذه الأمثلة من ناحية أخرى للتعرف عليها والتعرف من خلالها على إبداع الشاعر الشعبى البسيط فى هذا الشكل البسيط من شعر العامية وهو المزدوجات ولكى نرى ذلك فلننظر إلى قولهم

أم الشعر الأكرت تبات تفكرت
وأم الشعر الخيلى تقول ياليلى
وعلى غرار ماقال بن عروس :-
من حبنا حبناه وصار متاعما متاعه
ومن كرهنا كرهناه ويحرم علينا اجتماعه
ويقولون أيضاً :-
يا فاحت البير وسع مجاريها فاحتها لأخوك بكره تقع فيها
ويقولون كذلك :-
اللى يحاديك حاديه واجعل عيالك عبيده
واللى يعاديك عاديه ولو كانت روحك فى إيده
وكذلك قولهم :-
خد الجميل وأقعد قباله وإن جعت شاهد جماله

نماذج شعبية وعامية للمزدوجات

(1) يا واخد البيض يامقضى الزمان فرحان
ضيعت مالك على جوهر وعود ريحان
-------------------------------------------------------
(2) ميعجبكش طولها الزين ولفتها فى الملاية
ليها عرقوب يدبح الطير ومناخير كد الدواية
------------------------------------------------------
(3) يا واخد السود يا مقضى الزمان حزين ضيعت مالك على خنفس وجاموس طين
-------------------------------------------------------
(4) أخدتك يا سنبلة روحى عشان أكيد العزول كدت أنا روحى
-------------------------------------------------------

(5) يا صياد ما اصطدت شئ واللى اصطادته آهو مشى
------------------------------------------------------
(6) إن كنتوا نسيتوا اللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرى
---------------------------------------------------
(7) يا دى شيله يا دى حطه راح على جمل جا على قطه
-----------------------------------------------------
(8) رحت الغيط حرست جارى سرق البرسيم وأخد حمارى
------------------------------------------------------
(9) قليل الأصل متعاتبوش ودايماً خصاله ردية
إن وقع ايديك ما تقلهوش لو قال حقك عليا
---------------------------------------------------
(11) يا ناس ما شفتوا الزين طالع يا زعقه أمه هزت الشارع

ثانياً المواليا الثلاثية
-----------
ظهرت المواليا الثلاثية فى مصر على حد قول العامة – فى أربعينيات القرن الماضى على وجه الخصوص فى صعيد مصرولم يرد فى أى مرخع من المراجع انها كانتقد عرفت قبل هذا التاريخ فى حين ان الأخذ بأقوال الطاعنين فى السن ممن عايشوا فترة إنتشارها لم أبداً دليلاً قاطعاً عاى ان المواليا الثلاثية قد ظهرت أو عرفت فى هذه الحقبةمن الزمن. لا لأنهم طاعنون فى السن ولكن للإعتراف بأنها ربما تكون قد عرفت من قبل هذا التاريخ وهم لا يدركون ذلك . أو لأنها كانت قليلة الإستخدام والتداول بين الموالة فى ذلك الوقت لشيوع باقى الأشكال وانتشارها .
فهى لم تكن واسعة الشيوع والإنتشار مقارنة بالمزدوجات والمربعات والمخمسات والمسبعات ربما لأنها لم تكن عروضاً شعرياً يفى بالمرجو منه كباقى المواليات ولم يعترف بها ذات يوم بأنها من القوافى المعترف بها من قبل شعراء العصور السابقة شواء فى الشعر التقليدى – الكلاسيكى- أو الشعر الشعبى غير أن أبو نواس قد استعملها فى أكثر من مناسبة ونظم ثلاثيات عديدة وفى أغراض متفرقة فى الوقت الذى نظم فيه غيره من الشعراء الكثير من المزدوجات والمربعات ، ومن أقواله فيها . .
فقدت طوال اعتلالك وما أدرى فى مطالك
لقد أردت جـــــــــفائى وقد أردت وصالك
ماذا أرد بهـــــــــذا تمــــنعى أشــــــهى لك
وقوله أيضاً :-
فيدتك ماذا الصلف وشتمك أهل الشرف
صلى عاشقاً مدنفاً قد أعتب ممــا إقترف
ولا تذكرى ماضى عـــــفا الله عما سلف
ورغم ما سقناه من أمثلة يعد غير كافٍ للتدليل على وجود الثلاثيات أو ظهورها فى ذلك الوقت من الزمان فى نظر البعض إلا أن الشاعر الشعبى بفطرته وسليقته قد نظم منها الكثير من الثلاثيات وأبدع فيها أيما إبداع فى الوقت الذى لم نجد من الباحثين من تناولها بالدراسة أو حتى مجرد التنويه عنها ونورد فيما يلى بعض النماذج التى نظمها الشاعر الشعبى على المواليا الثلاثية كقوله فى معاتبة الدهر ومحاوله معرفة مايريد من وراء تعذيبه له . .
ليه يا زمنانى إيه اللى عايزه منى
هديت قواى وأخدت الجمال منى
إياك علاى ذنب جاى تخلصة منى
زفى أخرى نجد الشاعر الشعبى يخاطب عينيه فى سؤال رقيق عن أحبته الذين هم أيضاً أحبتها ، واصفا لها ما يعانيه من لواعج العشق ومرارة الفراق وقسوة الوحدة وعذاب الإشتياق إليهم قائلاً لها :
سؤالى للعين حبايبك فين وحشونى
ليهم مدة وسنين غايبين وحشونى
والقلب قال آه غيابهم طال وحشونى

لم يكن ناظم الثلاثيات أقل وهبة من غيره على نظم المزدوجات أو المربعات لكنه فيما نرى وجد فى الثلاثيات ضالته ورأى فيها متعته فانجذب إليها وانجذبت إليه وراودتها فطوعته ليقص لنا ما قالته العين له ناصة إياه بالابتعاد عن قرين السوء واختيار الصديق الصدوق فالدنيا لم أنجبت السيئ أنجبت الحسن ، فقال :
أمانه قالت العين خد منى كلام طيب
سيبك من الندل وامشى مع الطيب
الدنيا منها أسى كما فيها كتير طيب

وهناك الكثير والكثير من النماذج التى نظمها شعراؤنا العاميون والشعبيون من الثلاثيات التى أجادوا فيها وأفاضوا واستحسنوا فأحسنوا ، .
.ثانياً الرباعيات
-------------
والرباعيات أو المبعات فىة أدبنا الكلاسيكى أو الشعبى يشبه بعضها البعض إلى حد بعيد فى التكوين والأغراض وقد عرفت المربعات منذ أن جدد العباسيون فى أشعارهم وزناً وقافية والمربع يتألف من أربعة شطور يتفق أولها وثانيها ورابها فى قافية واحدة أما الشطر الثالث فقد تتخذ نفس القافية ولا يتخذها باتفاق مع باقى أشطر المربع فى نفس القافية. ونرى ذلك واضحاً فى قول أبى نواس ..
أدر الكأس وأعجل من حبس واقنا ما لاح نجم الغلس (21)
قهــــــــوة كرخـــية مشمولة تنقل الوحشة عنا بالأنس
هذا وتكثر الرباعيات فى ديوان أبى نواس وخاصة فى الخمريات والغزل ونستبعد أن تكون متقطعة مع مطالع قصائد له ضاعت لكثرتها . . مثل
تعاتبنى على شرب اصطباح ووصل اليل من فلق الصباح (22)
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
ويقول أيضاً :-
ياليلة طاب لى بها الأرق حتى بدى من صباحها الفلق (23)
فى مجلـــس فيه فاحــشة إلا حــديث ومنـــطق أنـــق
كما تكثر أيضاً هذه المربعات فى شهر عبد السلام بن رغبان الحمصى المعروف بـ " ديك الجن " المتوفى فى زمان المتوكل " 161- 235 " ونجد ذلك فى قوله :
-
تمتع من الدنيا فإنك فانٍ وانك فى أيدى الحوادث عان (24)
ولا تنظرن اليوم لهواً إلى غدٍ ومن لغدٍ من حادث بأمان

كما كثرت المربعات فى شعر أبى العتاهية وأبى نواس وبشار من شعراء العرب وعند
" حماد عجرد" وعمر الخيام " من شعراء الفرس ومن رباعيات " حماد عجرد " التى صاغها على هذا النمط من رباعياته غير الدينية قوله " 433 – 517 "
ظهر عليك الأمير يا غيلان إذا خنته أن الأمير معان
أمع الدمامة قد جمعت خيانة قبح الدميم الفاجر الخوان
وانه لغاية فى الصحة أن نقول إن عمر الخيام قد أبدع فى هذا النمط من الشعر غاية الأبداع وأضاف إليه جمالاً فوق جماله بهذه الرباعيات التى أمتعنا بها فى لغته الأصلية " الفارسية" كقوله :-
جون آب بجويبار جون بادبدشت روزى دكر أر نوبت عموم بكذشت (25)
هر كز عم دور روز مرا باد نكشت روزى كه نيا مدست وروزى كه كذشت
وقد ترجمها أحمد الصافى النجفى قائلاً بالعربية :-
كالماء فى النهر أو الريح وسط فلا الأمس من عمرنا ولى ةلم يعد
يومان او عشت لا أغنى بأمرها يوم تولى ويوم بعد لم يعد
وفى رأينا أنه كان من الأفضل أن يأتى بلفظ " بيد " بدلاً من " فلا" وهى تؤدى نفس المعنى فى الشطر الأول من الربع السابق كما لا نجهل ما أمتعنا به من رباعياته المترجمة كقوله . .
أطفئ لظى القلب بيرد الشراب فإنما الأيام مثل الســــــحاب (26)
وعيشنا طــــــــيف خيال فنل حظك منه قبل فوات الشباب
---------------------------------------------------
نمضى وتبقى العيشة الراضية وتنمى آثارنا الماضية (27)
فقــــــبل أن نحيا ومـــن بعدنا وهذه الدنيا على ما هيه
هذا وقد ظلت الرباعيات تحتفظ لنفسها بمكان مرموق ومكانة رفيعة بين أشعار الشعب ويبدو ذلك جليا فى عهد المماليك وفيه يقول " أبو بكر بن عجمى" فى مربعته الغزلية :-
للحب قالوا معناك الذى أذبلتو جدلو بقبلة فقلبو فيك خبلتو(28)
فقال أقسم لو أن البوس سبلتو ومان للشرق ما درتو قبلو
وكانت تشتهر فى العصر العثمانى باسم " البليق" وقد أنشد الجبرتى من أمثلته الغزلية قول الشيخ شمس الدين الحنفى الشافعى :-
خطر علىّ غزال مـــــر ما اتكـــلم فوق جفونه وقلبى والحشا أكلم (29)
إيش كان يضره إذا بالرأس لى سلم حتى اسر مهجتى لولا السلام سلم
وقد تلاه غرض آخر غيى الغزل المسمى " البليق" نوع جديد من المربعات أكثر جمالاً من سابقه لإحتوائه على الهزل والفكاهه وبساطة الغرض وجمال الأسلوب وهذا الشكل من المربعات فى العصر المملوكى ويسمى بـ " القراقيّا " ويسوق لنا الجبرتى منه مثل
" حسن شمة " قال فيه :-
قالوا تحب المدمس قلت بالزيت الحار والعيش الأبيض تحبه قلت والكشكار
قالوا:تحب المطبق قلت بالقنطار قالوا:إيش تقول فى الخضارى قلت عقلى طار
هذا وقد ظل المبع محتفظاً بجماله وتكوينه وأغراضه منذ العصر المملوكى والعصر العثمانى إلى يومنا هذا رغم تعاقب الأجيال وتباعد الأزمنه ونسوق لذلك من الأمثلة ما يلى :-
عينى رأت طير فى الجبل بارك
يبيض ويفقس وهو فى سن الجبل بلرك
وحق من أنزل القرآن وتبارك
متجيب غطا الدور لأديك جمل بارك
-------------------------------------------------------
يا عينى قلى البكا يوم روايق لك
عماله تبكى ودمع العين رايق لك
عمال يخطط فى التراب ورايق لك
والله لأسافر وأجيب لك روايق لك
--------------------------------------------------------
دخلت بستان أتفرج على اللى فيه
وميت إيدى آخد وردة من اللى فيه
نترت يمينى وقالت الحلال أحسن
والكرم كرمك لما يســــتوى نقّيه
كما أن هناك نوع آخر من المربعات يطلق علبه " دوبيت "
الدوبيت :
هو كما قلنا نوع من المربعات لكنه يختلف عن سابقه من المربعات التى سبق الحديث عنه من حيث البناء الشعرى. إذ انه يتفق فيه الثلاثة شطور الأولى فى روى القافية ويختلف عنهم الشطى الربع على هذا الشكل ـــــــــــ أ ــــــــــــ أ
ــــــــــ أ ــــــــــــ أ
وهذا الشكل استحدث أيضاً فى العصر العباسى ويقال ان الفرس أكثروا فى نظمه ولكن البعض فى عصرنا هذا يطلقون كلمة " دوبيت " على جميع أشكال المربعات بالمعنى العام لكونها كلمة فارسية تتكون من مقطعين الأول " دو " وتعنى العدد " اثنين " والثانى " بيت "
وتعنى بيتاً من الشعر دون النظر إلى ما بينه وبين المربع الأصلى من اختلاف فى البناء الشعرى كما أوضحنا سابقاً ولكنها على اتفاق فى الأغراض. .
والدوبيت غالباً ما يطلق عليه الرباعى" وهو على النقيض تماماً من المربع الأصلى وقد قل ناطموعه فى عهدنا هذا لكنه فى العصر العباسى وجد رواجاً واسعاً وكان يكثر فيه النظم ونجد فى أشعار أبى نواس القدر الوفير من هذه الدوبيات ونرى ذلك فى قوله :-
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
وقوله :-
يا من لحانى على زمانى
اللهو شانى فلا تلمنى
أما فى العصور التاليه للعصر العباسى فقد قل كما قلنا ناظموه اللهم إلا فى بعض الأشعار العامية الحديثة على يد بعض شعراء الصعيد أمثال عبد الرحمن الأبنودى وعبد الرحيم منصور وبعض شعراء الشعب الذين قالوا فى أشعارهم :-
انعم بقرشك ياجندى والا اكسنا امال يا فندى
إلا أنا وحياتك عندى بقالى شهرين طوال جيعان
وقول آخرون للرد عليه :-
أما الفلوس أنا مأويش وانت تقولى ممشيشى
يطلع على حشيشى أقوم أملص لك لودان
زنضيف إلى ذلك قولنا فى قصيدة تحت عنون " مدرسة أبوكيفة "
كبير القوم شارى دماغه وحاطط إيده على صداغه
بكره السنين حتجيب داغه وكل واحد وظروفه
-------------------------------------------------------
وقبل أن ننتقل إلى الحديث عن الشكل البنائى للمواليا أن ننوه على أن البعض من الباحثين إن لم يكن كلهم بدأوا الخلط بين المربع والدوبيت فى هذه الآونه خاصة وان عدد الناظمين للمربعات فاق عدد الناظمين للفصحى سواء العمودية أو الحرة أو حتى القصيدة النثرية بكثير ، ونستدل على ذلك بتعريف الدكتور / عيد محمد شبايك (1) للرباعيات والذى قال فيه :-
الرباعيات " الدوبيت "
هى لغةً .. جمع ربلعية واصطلاحاً : هى مقطوعة شعرية مؤلفة من أربعة أشطر" بيتان " اعتمدها عدد من شعراء الفرس فى التعبيرأحاسيسهم وخواطرهم وأخيلتهم.
وتعرف الرباعيات فى كتب الأدب – وخاصة الشعر – بالدوبيت . والدوبيت اسم مركب من كلمتين " دو" فارسية ومعناها اثنان و "بيت" عربية وهو أحد أبيات الشعر ويسمية الفرس الرباعى لكونه ينظم على بيتين فقط فى أى غرض يريده الناظم ولبعض شعرائهم اختصاص بشهرة إجادة الرباعيات كـ (عمر الخيام ( ومن أشهر أوزانه- أى الدوبيت- فعلن متفاعلن فعول فعلن (بتحريك ثانيه) مكرر على أربع مرات ومن أمثلته قول عمر الخيام :-
يانفس ما هذا الأسى والكدر قد وقع الإثم وضاع الحذر
هل ذاق حلو العفو إلا الذى أذنب والله عفا وغفر


وكذلك قول العماد الأصفهانى :-
للغزو نشاطى وإليه طربى ما لى فى العيش غيره من أرب
بالجد والإجتهاد نجح الطلب والراحة مستودعة فى التعب
------------------------------------------------------------

" نماذج شعبية وعامية للمربع "

(1) على أيه تعايرنى بقلة مالى ذا النال يغنى بلا رجالى
على إيه تعايرنى بكتر مالى الرب يغنينى ويصلح حالى


عاشق رأى مبتلى قال له انت رايح فين
وقف ردى قصته بكوا سوا الإثنين
راحوا القاضى الغرام الاثنين يشكو له
بكوا الثلاثة وقالوا حبنا راح فين
----------------------------------------------------------
عجبى على ناس لا صاموا ولا صلوا
نصبوا خيامهم فى البحر ما اتبلوا
وأن جاهم الريح فى أول الليل حلوا
وفى آخر الليل عند المصطفى صلوا(1)
---------------------------------------------------------
طرقت باب الخبا قالت من الطارق(2)
فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق
ابتسمت لاح لى من ثغرها بارق
رجعت حيران فى بحر الدموع غارق
--------------------------------------------------------
عينى التى كنت أرعاكم بها باتت(3)
ترعى النجوم بالتسهيد أقتات
وأسهم البين صابتنى ولا فاتت
وسلوتى عظم الله أجركم ماتت
-------------------------------------------------------
ياحلو ياللى الدلال طبعك وأنا أجرى وراك
صبتنى عود ناشف وأنا أجرى وراك
يا حلو خد منى ودى وهات ودك وأنا أجرى وراك
لأجل المحبة تزيد حبة وأنا أجرى وراك
--------------------------------------------------------

اثنين واتنين يبقوا كام يا خلى
اثنين فى البحر شى شلبى وشى بنى
واثنين فى القصر شى صاحى وشى نعسان
والقلب ورمان حيجمل كان يا خلى
يا بنت لينى زى ما الحديد لان يامعجونة جوه حـــــنانى
انت خجــــلانة وأنا خـــجلان ويا ما طالت علينا الليالى
**********************
ثالثاً – المسمّطات

وهذا النوع من المواليا يمثل لوناً آخر من ألوان التجديد فى القوافى وله أنماط عديدة تسمى" بالمسمّطات "
وقد اشتق اسمها من السمط وهو قلادة تنظم فيها عدة سلوك تجع عقد لؤلؤة أو جوهرة كبيرة وكذلك كل دور فى السمط يجمع الأدوار الأخرى فى قافية الشطر الأخير فهى تتألف من أدوار وكل دور يتركب من أربعة شطور أو أكثر وتتفق كل الشطورفى كل دور فى قافية واحدة ما عدا الشطر الأخير فإنه يستقل بقافية مغايرة وفى الوقت نفسه يتحد مع الشطر الأخيرة فى الأدوار المختلفة ومن ذلك بسمى هذا الشطر " بعامود السمط" فهو قطيه الذى يدور عليه ويكون الدور فى نوع منها رباعى أشبه بالدوبيت وتسمى " مسمطات رباعية " أو خمسة شطور وتسمى مسمطات خماسية وفيما يلى توضيح لكل منها . .
المسمطات الرباعية
والمسمّطة الرباعية بل المسمطات بكل أنواعها استحداث عباسى القوافى وتجديد لها والمسمّطة الرباعية نجدها فى شعر أبى نواس وله فى ذلك النمط مسمّط مربع يسمى " خمرية " ويقول فيها :-
سلاف دن كشمس دجن
كدفع جفن كخمر عدن
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
يامن لحانى على زمانى
اللهو شانى فلا تلمنى

وهذه المسمّطة المربعة تتألف من ثلاثة أدوار ينتهى كل دور منها بقافية واحدة وحرف روى واحد هو " حرف النون " فى عدن ، سجن ، تلمنى ، وهذا الحرف هو ما يسمى بعمود المسمّطة " وواضح أنه بنى شطورها على تفعيلة واحدة وإذا ما تمعنا وأمعنا النظر فى أدوارها ونلاحظ الإختلاف بين المربع والدوبيت وكأن الدوبيت هو ما يمثل الدور فى المسمّطة فهو بذلك يمكننا القول بأن الدوبيت هو قاعدة االمسمّطة الرباعية وهو وحدتها والمسمّطات فى أدب الشعب ليست بالقليلة فهى تعد بحق البناء الشعرى للأغنية الشعبية قديمة وحديثة ولا اختلاف ونلاحظ ذلك فيما يلى :-
يا أبو سرة فنجان يا قاتل ولاد الجان
عسكر وسجان وهجموا بالسلاح برة
يا أبو كعب مبروم يا قاتل ولاد الروم
يا حلو تعالى قوم للدار ولو مرة
وهذه المسمّطة الشعبية نلاحظ التشابه بينها وبين المسمّطة العباسية لأبى نواس ولكن هناك ثمة إختلاف فى القافية فهذه المسمّطة الشعبية عمودها كلمة مرة ، يرة وحرف رويهما ، التاء المربوطة ، ولننظر إلى المسمّطة التالية لنؤكد صدق قولنا :-
طلت لى ورا الشباك هى هنا وأنا هناك
يا ستى وأنا الحباك واحبك زى الشعرية
-------------------------------------------------
طلعت لى من القادوس بيضة وتشبه الفانوس
يا ستى وأنا المحبوس طــــــلى وشفعى فيا
------------------------------------------------
طلعت لى من القادوس راسمة على الجبين فلوس
يا ستى وأنا المحبوس طلـــــــى وشــــــفعى فيا

والمسمّطة الرباعية ظلت حتى عصرنا هذا حية متجددة ما دام التجديد والتحديث قائمين ولو أن المجال يتسع لإدراج الكثير من المسمّطات لأوردنا فيها العديد والعديد ولكن المسمّطة الخماسية نالت حظها من الشيوع وفاقت فى انتشارها المسمّطة الرباعية ،
المسمّطة الخماسية
أو كما يطلقون عليها المخمسة نجدها قد نالت الحظ الوفير من الانتشار ، فشيوعها أوسع من أختها المربعة واشتهر بها فى العصر العباسى " بشار " ونظم كثيراً من هذه المخمسات ويقول الجاحظ أنه لم يكن احد أقوى صنع المخكسات من بشار بن المعتمر وقد أنشد الدميرى لأبى نواس مخمساً ختمه بهذا الدور :-
يا ليلة قضيتها حلوة مرتشفاً من ريقها قهوه
تسكر من قد يبتغى سكره وظننتها من طيبها لحظة
يا ليت لا كان لها آخر
ويلاحظ أن هذه المنظومة نشأت من فكرة تكرار قافية البيت بروى جديد وكأنما وقعت هذه المنظومة لمقدم بن معافر القبرى الأندلسى شاعر الأمير عبد الله المروانى " 275 – 300 " هجرية فنظم عليها وعلى نمطها بعض منظوماته اعجاباص بها واستحساناً لها وكتب بهذا النمط أن يشيع بعده فى


الأندلس باسم الموشحات وأن يكسب الوشاحون فيه مت الأنغام ما يمتع الأسماع والأفئدة يمكننا القول بان المسمّطة الخماسية " المخمسة" هى منظومة شعرية مؤلفة من قطع تضم كل قطعة منها خمسة أشطر تتفق الأربعة الأولى فى قافية واحدة بينما تكون قافية الشطر الخامس مختلفة ومثلها فى الشعر الشعبى كثير ومتعدد الأغراض ونرى ذلك فى قولهم ...
.
أجرك على الله يا للى صاحبك باعك
تهرب تروح فين يا للى صاحبك باعك
تعتب على مين غير زندك وطول باعك
وصاحب صاحب حر يكون قدك وطول باعك
يفهم رموزك ولو أشرت با صباعك

بيد أن المخمسة الشعبية قد تختلف أحياناً فى قافيتها فمثلاً قد تجد مخمسة كاملة على روى واحد كما فى المخمسة السابقة وقد يختلف فيها الروى فى شطرها الرابع ويتحد الشطر الخامس فى حرف روى الشطور الثلاثة الأولى كما فى قولهم .
.
يا رب صاحب أمانة نعملوه مرسال
للى جرحنا وبعد الدم لم بيسال
سايق عليك النبى لم تقطعوا السلسال
خلى جناة الوداد ما بينا يجرى
والله النبى ع الصحابة كل يوم بيسال
وقولهم :-
على البحر جمالات بيملوا دوارقهم
عليل وعطشان وصفوا لى دوارقهم
يرق قلــــــبى لزغـــروطة أباريقهم
قالوا منين الجـــدع أنا قلت خطارى
مولود معــــاهم ومش قادر أفارقهم
ونلاحظ أيضاً فى قولهم :-
واقف على الشط بأصطاد بط ونعـــايم
صادنى غزال زين خدودة حمر ونعايم
من أصل على عايش فى خير ونعاـــيم
وكيف أطـــوله وما بينى وبينه بعــــيد
قلبى غــــرق فى هــــواه يا با وأنا عايم


المسمّطات السداسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ والمسمّطة السداسية ما اشتملت على ستة شطور مع إختلاف السادس ولككن فى أشعار الشعب نجدها تخالف ذلمك وكذلك فى الشعر التقليدى أة الكلاسيكى ، نلاحظ الاختلاف ونجد أن الشطر السادس يتحد فى غالب الأحيان مع باقى المسمّطة وهذا دليلنا على ذلك ...
.
لقاء أكثر من يلقاك أوزار فلا تبال أصدوا عنك أو زاروا
أخلاقهم حين تبلوهم أوعار وفعلهم منكر للمرء أو عاروا
لهم لديك إذا جاءوك أوطار إذا قضوها تنحوا عنك أو طاروا

وقلما نجد مسمّطة سداسية ينطبق عليها إختلاف الشطر السادس عن حرف الروى فى الشطور الخمس السابقة سواء كان ذلك فى الأدب الشعبى أو الكلاسيكى ونلاحظ ذلك فيما يلى كديل نسوقه لتأكيد قولنا السابق وأيضاً لتوضيح التشابه وعدم الإختلاف فى قوافى الشطور الستة فى كل من الأدب الكلاسيكى أو التقليدى والأدب الشعبى ،

أحب واداً انا معـــــــرم صـــــــــبابة فيه
دخلت بستان لقـــــيته فارش ونايم فــــيه
ومبيت الوش قلــــت له أمــــــــانة غطيه
قال انت أبويا ولا أخيا ولا شــــريكى فيه
سحبت سيف المحبة لأجل أقطعه وأرميه
رمش بعينه ورمــــــانى قبل ما أنا أرميه
وكذلك قولهم ...
رمــان مرشــــق قرنفل يا منيتى إريه لى
خليك فى بلدك وأنا آجى عـــــــلى مهلى
يا أغر من نور عينى ويا أغلى من أهلى
واوعى تجينى تحـــت شـــباكى وتنده لى
أحسن يراعوك العوازل يفتنوا لأهـــــلى
أهلى كتار يا جمـــيل يكتروا مهــــــــرى

وعلى النقيض مما قلناه سابقاً عن إختلاف روى الشطور فى السداسيات الخمس عن الشطر السادس فإننا نجد أحياناً إختلاف الروى فى الشطر الخامس واتفاق الشطور الأربعة الأولى مع الشطر السادس فى حرف الروى ومثال ذلك ...
قولهم
قلبى هوى ظبى كان لسه صـــغار ورا أبوه
فضلت أصرف عليه لما كــــــــبر ورا أبوه
فضــــــــلم وراه العــــوازل بالعنـــين تلفوه
وحضروا له الهجين ســـــاعة السفر وخدوه
خدها رجل ندل ما يعرف طولها من عرض
يا خسارة الــورد بعـــد ما ينقــــطف يرموه
المسمّطات السباعية

والمسمذطة السباعية هى ما يتضمن سبعة أشطر واختلف الشطر السابع فى الروى عن الشطور الرابع والخامس والسادس واتفق مع الأول والثانى والثالث مع مراعاة ان الشطر السابع ينقسم إلى قسمين الأول بروى الشطور الثلاثة الأولى والثانى بروى الشطور الثلاثة الأخيرة. كما سنلاحظ فى نهاية المسمّطة التالية وهى الشطر السابع كلمة
( مرادى) تتفق مع الثلاثة شطور الأخيرة وكلمة ( بساتين) تتفق مع الثلاثة شطور الأولى :
قلبى هوى طير ويمة مسكنه البساتين
يعدى على الجمع يرمى بالنظر بساتين
معجب بينهم وآكله طول الدوام بساتين
عشان بأهواه بأنفخ كنفخ الكور وحدادى
لا حت علــــــــى طــيور الجو وحدادى
أدينى صابر لهــــــجر الحـــلو وحدادى
لما أبلغ مرادى وآخد من الجميل بساتين
وكذلك قولهم ....( الباب ) و ( البساتين ) فى المسمّطة التالية:
ظابية من الإنس نزلت مصر ع البســاتين
الوش مثل القمـــر أما الخــدود بســـــاتين
نزلت تشم النسيم بعد العصـــر ع البساتين
طلب منها الوصال قالت يا جميل ع الباب
أنا بنت حــرة يبقى لى شـــــــرف ع الباب
روح قدم المـــهر وأدخل يا جميل م الباب
افتح لك أنا الباب وتتفـــرج على البساتين





الفصل الثانى
بلاغة الأدب الشعبى

لم يكن الأدب الشعبى بشعره ونثره أقل من الأدب الكلاسيكى فصاحة وبلاغة وقد يلقى الأدب الشعبى كواحد من الثقافات الشعبية وأحد فنونهامن الحب الاستحسان ما لا يلقاه الأدب التقليدى أو الكلاسيكى ، فحلو القول وجميله ما كان مقبولاً لدى الناس متداولاً بينهم .
ولذا نجد أدبنا الشعبى قد حاز نصيباً وافراً من القرب والتقريب إلى نفوس عامة الشعب فهو لا يخاطب فئة من الشعب بعينها ولكن يتسع نطاق خطابه الشفاهى ليشمل عامة الشعب مقيمين ووافدين متعلمين وأميين كلاً على قدر ما حاز من ثقافة وقدرة على تحليل الظولهر وتفسير الأحداث واتيعاب لما يقال غير متجاهلين فى ذلك خصوصيته واستحوازه على قلوب محبيه ودارسيه وبذلك يمكننا القول بأن الأدب الشعبى فيه من البلاغة والفصاحة فيما سواه شفهياً كان أو مكتوباً والفصاحة والبلاغة صفة لمعنين هما :-
الكلام والمتكلم. فحين نقول كلام فصيح " أو قصيدة فصيحة " يكون المقصود فى ذلك هو الكلام أو القول. وهذا يعنى المعنى الأول.
وإذا قلنا كاتب فصيح " وهذا يعنى المعنى الثانى من صفة الفصاحة والبلاغة .
وفصاحة الكلمة كما نعرف هى :-
أ) خلوها من تنافر الحروف حتى لا تكون الكلمة متناهية فى الثقل على اللسان متعثرة فى النطق بها.. كقول الأعرابى عن ناقته " تركتها ترعى الهغنح " وقول أمرئ القيس " غدائره مستثزرات "
ب) خلو الكلمة من الغرابة.. بحيث لا تحتاج إلى البحث عنها فى المعاجم لمعرفة المقصود منها كقول الذى سقط من فوق حماره فاحتشد الناس حوله " ما لكم تكأكأتم علىّ كتكأكؤكم على ذى جنةٍ افرنقعوا "
جـ ) عدم مخالفتها للقياس اللغوى كقول العجاج :-
" الحمد لله العلى الأجلل " وقياسها " الأجل " بالإدغام
أما فصاحةالكلام فهى:-
أ) خلوه من صنعة التركيب كما فى قولهم " ضرب غلامه زيد " لأن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظاً ورتبةً ممتنع عند الجمهور
ب) خلوه- أى الكلام- من ثقل الكلمات على اللسان كقول الشاعر:-
وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر
حيث يبدو التنافر واضحاً بين الحاء والراء والقاف .
جـ) خلو الكلام من التعقيد ولهذا سببان :-
* الأول:- ما يرجع إلى المعنى بحيث يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثانى ظاهراً كقول العباس بن أحنف :-
" سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتكسب عيناى الدموع لتجمدا "
* الثانى: ما يرجع إلى اللفظ حيث لا يمكن الوصول إلى معناه كقول الفرزدق:
" وما مثله فى الناس إلا مملكاً أبو أمه حى أبوه يقاربه "
- أما فصاحة المتكلم فهى.. ملكة أو موهبة بها يستطيع التعبير عن المقصود بلفظ فصيح...


بلاغة الكلام والمتكلم :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهى طرفان :-
أ) الطرف الأعلى: وإليه تنتهى البلاغة وهو حد الإعجاز وما يقرب منه وتكون ذلك إلا فى القرآن
ب) الطرف الأسفل: ومنه تبتدئ البلاغة وبين الطرفين مراتب كثيرة تتأتى حسب رؤيتنا للمتكلم . وسر جمال البلاغة :- نجده فيما يحترز به من الوقوع فى الخطأ وهو علم المعانى " وما يبتعد به عن التعقيد المعنوى وهو " علم البيان " وما به يمكننا التعرف على وجوه تحسين الكلام وهو " علم البديع " ونحن فى دراستنا هذه إنما نعنى بتطبيق هذه العلوم الثلاثة على ما يزخر به أدبنا الشعبى من شعر ونثر تطبيقاً عملياً علمياً على قدر ما يمنحنا الله تعالى من مقدرة على صنع ذلك مصنفين إلى ذلك أدراج بعض ما نرى أننا فى حاجة إليه من أدبنا الكلاسيكى أو التقليدى مقارنة منا بينه وبين أدبنا الشعبى والشعر منه على وجه التحديد ...


أولاً ...علم البيان

وعلم البيان كما نعرف أنه: قدم على علم المعانى لأنه بمنزلة المفرد من المركب ولأنه يتحوى على زيادة اعتبار ليست فى المعانى وهذه الزيادة تتمثل فى إدراك جزئيات البحث فى معرفة جزئيات أحوال اللفظ العربى وموضوعه دراسة التسبيه والمجاز والكناية وسوف نتناول ذلك بقدر ما نستطيع
(1) التشبية :-
ـــــــــــــــــــــ وهو بيان أن شيئاً أو أشياء شاركت غيرها فى صفة او أكثر باداة هى الكاف أو نحوها – ملفوظة أو ملحوظة- وأركانه هى " المشيه " و " المشبه به" وتسميان( طرفى التشبية) وأداة التشبية ووجه الشبة ويجب أن يكون أقوى وأظهر فى المشبة به منه فى المشبة ويمكن تطبيق ذلك على أدبنا الشعبى فى قولهم :-
" الست ذى الفريك متبش شريك " ونرى أن
1- المشبه هو الست 2- أداة التشبيه هى : ذى
3- المشبه به هو : الفريك 4- وجه الشبه هو : كراهية المشاركة
وللتشبيه أقسام وانواع وأغراض نعرضها فيما يلى :-
أولاً أقسام التشبيه :- وهى كالآتى :-
أ- المرسل: وهو ما ذكرت فيه الأداة كقولهم " الأهل ذى الملح لا غنى عنهم "
ب- الكؤكد : وهو ما حذف منه أداة التشبيه كقولهم: -
قالت لى روح يامسكين دى نهودى رمان الشام.
ونجد ذلك فى الشطر الثانى من هذا البيت وهو تشبيه النهود برمان الشام
جـ- المجمل : وهو ما حذف منه وجه الشبه مثل قولهم :
الست اللى متخلفش ذى العيار اللى مايصبش
كلام ذى الرصاص فى الجتة النحاس
ونلاحظ فى ذلك عدم وجود وجه الشبه وهو عدم الفائدة فى المثال الأول ، وعدم الإصابة فى المثال الثانى .
د- المفصل : وهو ما ذكر فيه وجه الشبه مثل قولهم ..
فلانه زى أم العروسة فاضيه ومشبوكة
هـ-البليغ: وهو ما حذف منه الأداة ووجه الشبه فى مثل قولهم ... الحما عما ...
---------------------------------------
ثانياً أنواع التشبيه:-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ومنها الأنواع التالية
أ- تشبيه التمثيل : ويسمى التشبيه تمثيلاً إذا كان وجه الشبه فى صورة منتزعة من متعدد وغير تمثيل إذا لم يكن وجه الشبه كذلك ومثال ذلك : أختين فى بيت عقربين فى حيط
ب- التشبيه الضمنى : وهو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به فى صورة من صور التشبيهالمعروفة بل يلحمان فى التركيب وهذا النوع يأتى به ليقيد ان الحكم الذى أسند إلى المشبه ممكن ومثال ذلك فى قول إحداهن :
إن رعيت أرعى النوار والمعى مترعاش فيه تانى
وهنا نجد الشاعرة وقد شبهت نفسها وهى شابة يافعة بتبات له أزهار " نوار" وأزهاره ما زالت فيه أما العجوز وقد ذهبت نضارتها فقد شبهتها بالنبات الذى قطفت أزهاره ونراها بذلك تحذر زوجها ممن سبق لهن الزواج وفى مضمون قولها بأن المرأة ليس فى وطئها لذة بقولها " المعى مترعاش فيه تانى "
----------------------------------------
ثالثاً اغراض التشبيه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأغراض التشبيه متعددة ومنها الآتى :-
أ- تشبيه تقرير الحالة : مثل الندل ميت وهو حى ما حد حاسب حسابه
ب- تشبيه مقدار الحالة: " مثل وش الزاير ناير " " أصعب من المرض قلة الدوا "
جـ- تشبيه التزيين : مثل قرد يسلى ولا غزال يغم
د- تشبيه التقبيح: مثل " برد الصيف أحد من السيف "
-------------------------------------------------
(2) المجاز المرسل :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقد عدد الشاعر فى استخدام المجاز المرسل والإستعارات ويتجلى ذلك فى كثير من أشعارهم قد استخدم المجاز المرسل بكل علاقاته والمجاز المرسل كما نعرف هو :-
كلمة استعملت فى غير معناها الأصلى لعلاقة غير المشابهه مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى مثل قول النائحة :-
حطوا دراع السبع فوق الباب إن طال غياب يحسبوا له حساب
فكلمة " دراع" مجاز مرسل علاقته الجزئية
والمسل معنا ها "المطلق" وإنما سمى هذا المجاز مرسلاً أنه أطلق ولم يقيد بعلاقة خاصة ومن المجاز المرسل نوع يقال له المجاز المرسل المركب وهو تركيب استعمل فى غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهه وذلك كالجمل المستعملة فى الإنشاء للتعجب ، وإظهار الحزن كما فى قولهم..
القلب مرضان ومعنل وكتر الحكاوى شماته
من بعد(الكسترا) العل صبحنا لا قينش كناته(2)
فالشاعر فى الشطر الأول فى البيت الأول لا يريد الإخبار عن مرضه فى قلبه ولكنه يشير إلى ما استحوذ على القلب من هم وجزن لقلة ماله فالبيت بذلك يعد مجازاً مركباً علاقته السببية والقرينة " حالية" حال القلب فى مرضه ثم إتجه بفطرته الشعرية البلاغية باسلوب عبقرى إلى تسخير المجاز بشتى علاقته ومنها :-






علاقات المجاز المرسل:-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ومنها... العلاقات الآتية:-
أ- السببية : كقولهم...
إن مطرت المطرة على السلاح يبقى من سعد الفلاح
ب- المسببة : كقولهم..
" تربط تحل " " هم بطن عبطنى "
جـ- المحلية : كقولهم...
جيب السبع ما يخلا ولو كان محلا
د- الحالية: كقولهم...
المجانين فى نعيم
هـ- الكلية : كقولهم....

و- الجزئية : كقولهم..
" من القلب للقلب رسول " " الأيد البطال نجسة "
ز- الطرفية الزمانية : كقولهم...
أيام تفوت على ولاد الأصول تنزل
أيام بنشرب عسل وأيام بنشرب خل
ح- الآلية : كقولهم .....
" لسانك حصانك أن صنته صانك "
ط- على إعتبار ما كان : كقولهم...
" ولا جريدة أن ما كانت قلب "
ك- على إعتبار ما سيكون: كقولهم...
لو طلع الخسب ماشا يطلع من الفلاح باشا

---------------------------------------------

- الإســــــــتعارة
الاستعارة من المجاز اللغوى وهى تشبه حذف أحد طرفيه فعلاقتها المشابهه دائماً وهى قسمان :-
القسم الأول : الاستعارة التصريحية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هى فى علم البلاغة واحد من المجازات وهى ما صرح فيها بلفظ المشبه به ..كقول الشاعر.....
هلا بالورد يا أمه هلا به يا ورد الشام يا ملى العلابه
ويلاحظ فى ذلك البيت فى شطره الأول شبه الشاعر محبو بته بالورد صراحة بجامع الجمال بين المشبه والمشبه به وذكر لذلك لفظ " ورد الشام " لما فيه من جاذبية وجمال وكذلك قول الشاعر
واقف على الشط باصطاد بط ونعايم صادنى غزال زين خدوده ورد ونعايم
ففى الشطر الثانى من هذا البيت استعار الشاعر لفظ (غزال) لتشبيه محبوبته لما للغزال من رشاقة وخفة وجمال القوام وعلى الرغم من ضعف الغزال وعدم قوته فقد وصفه بالصياد حيث قال ( صادنى غزال) وهذا درب اخر من دروب الاستعارة هو "الاستعارة المكنية "
وفى قول ثالث قال الشاعر :-
قلبى هوى ظبى كان لسة صغار ورا أبوه فضلت اصرف عليه لما كبر ورا أبوه
وفى الشطر الاول من هذا البيت يشبه الشاعر محبوبته "بالظبى " كما قلنا بجامع الرشاقة وجمال الخطوة وقد صرح بالمشبه به فى ذلك وبالاضافة الى ذلك هناك الكثير والكثير من الامثلة فى المأثورات والتراث الشعبى .
القسم الثانى :- الاستعارة المكنية
والى جانب ما سبق ذكره فى القسم الاول من الاستعارة نجد قسما ثان هو الاستعارة المكنية وفيها يحذف المشبه به يوؤتى بشئ من لوازمه كقول الشاعر ..
دخل المسا وخش الليل دخل المسا على قليل الحيل
وهنا نجد الشاعر قد شبه " المساء " و " الليل " بانهما كائن حى يستطيع الحركة ويقدران على الدخول والخروج وقد حذف المشبه به وأتى بشئ من لوازمه وهو الحركة والقرينة " دخل " " خش "
وكذلك قول الشاعر :-
واتنين شى صاحى وشى نعسان والقلب ورمان حيحمل كام يا خلى
وهنا ايضا نجده قد شبه قلبه بانسان يمرض " بالورم " لشدة ما لقى وما حمل من هموم ومآسى واحزان ونجده ايضا قد حذف المشبه به واتى بشئ من لوازمه وهو المرض ..
وكذلك قولهم ..
امانة قالت العين خد منى كلام طيب
سيبك من الندل وامشى مع الطيب
الدنيا فيها الاسى وفيها كتير طيب
ففى الشطر الاول نجد الشعر قد شبه العين باسان يتكلم " قالت " وقادر على العطاء " خد " وقد حذف المشبه به واتى بواحد من لوازمه وهو " الكلام " واخر وهو " العطاء " كما شبه الكلام بانه طيب المذاق او حسن وكذلك حذف المشبه به وهو " الشئ الطيب " كالطعام الحلو او الزهور طيبة الرائحة واتى بشئ من لوازمه وهو " الحسن " .
القسم الثالث :- الاستعارة من حيث الاصل والتبعية .
ولم يتوقف استخدام الشاعر الشعبى عند هذا الحد من البلاغة باستخدانه الاستعارة بنوعيها المعروفين بل تطرق ببلاغته الى الاستعارة من حيث الاصل والتبعية فقالت احداهن ..
إن رعيت ارعى النوار والمرعى مترعاش فيه تانى
ففى هذا البيت فى شطره الاول نرى الشاعرة قد شبهت زوجها بانه حيوان يرعى فى الضمير " تاء المخاطب " – فى رعيت ،يرعى الكلأ والنبات المزهر فى لفظ " النوار " وهو الزهر وجاءت بلازم من لوازمه وهو " الرعى " وبذلك تكون استعارة مكنية اصلية كما شبهت جسدها عند اتيان زوجها له ووطئه اياها بانه الزهر او النوار الذى يرعى فحذفت المشبه واتت بلازم من لوازمه وهو الرعى وهذه ايضا استعارة مكنية اصلية وقرينها فى ذلك الاستعارة المكنية الاولى كما شبهت جسدها فى نفس الوقت بالزهر فى قولها " النوار " بجامع الجمال فى كليهما وبذلك تكون الاستعارة تصريحية حيث ذكرت المشبه صراحة وقرينتها فى ذلك الاستعارة المكنية السابقة وبذلك تكون الاستعارة التصريحية " تبعية " فى حين تكون المكنية اصلية ،
4 – الكناية :
الكناية فى البلاغة لفظ اطلق واريد به لازم معناه مع جواز ارادة ذلك المعنى وتنقسم الكناية باعتبار المكنى عنه الى ثلاثة اقسام فان المكنى عنه قد يكون صفة ، وقد يكون موصوفا وقد يكون نسبة ، ونجد الكناية فى الشعر الشعبى اكثر استخداما من التشبيه والمجاز المرسل والاستعارة بنوعيها تصريحية ومكنية وفرعيها ويلاحظ ذلك فيما يلى بضووح فى قول الشاعر:-
سلامى عليكم وسلامين يا امات الخدود الحمارى
من فذلكم املولى دلوين اشرب واسقى حمارى
ففى الشطر الثانى من البيت الاول يستخدم الشاعر لفظ ( الخدود الحمارى ) كناية عن الجمال وملاحظة الصورة وبهاء الطلعة ، وربما كانت ايضا كناية عن الخجل والكسوف ففى الاولى تكون الكناية ( صفة ) ولاختفاء الوسائط تاتى من خلال الرمز .
وفى قول اخر :
بلاوى علينا ومقادير ابتلينا بالرجال البواجى
يا اخى نزل الجحش فى البير خليه يشرب وياجى
وهذا القول قدد اتى على لسان امراة ونجدها قد استخدمت الكناية عن صفة ايضا فى قولها ( الرجال البواجى ) كناية عن السخافة وبرود الطباع وتعد هذه الكناية من قبيل التلويح ،

ثانيا علم المعانى

وعلم المعانى يعرف به احوال اللفظ العربى التى تطابق تطابق مقتضى الحال – والمقصود منه احوال الاسناد الخبرى – احوال المسند – احوال متعلقات النص – القصر الانشاء – الفصل – والوصل – الايجاز – الاطناب – المساواة ،
وينقسم الكلام فيه الى قسمين هما :-
1 – الخبر :
وهو كما نعلم : ما يصح ان يقال لقائله انه صادق فيه او كاذب فان كان الكلام مطابقا للواقع كان قائله صادقا ، وان كان غير مطابق له كان قائله كاذبا ، ويبدو ذلط جليا فى كلام اغلب العامة وليس الاديب فقط والخبر اما جملة اسمية واما جملة فعلية فالجملة الاسمية تفيد ضوعها ثبوت شئ لشئ ليس غير ذلك ، فان قلنا " باب النجار مخلع " لم يفهم من ذلك سوى ثبوت " الخلع للباب " من غير نظر الى حدوث او استمرار وقد يكتنفها من القرائن ما يخرجها عن اصل وضعها فتفيد الدوام والاستمرار كان يكون الكلام فى معرض المدح او الذم كقولهم ( القرد فى عين امه غزال )
- اما الجملة الفعلية :- موضوعة لافادة الحدوث فى زمن معين مع الاختصار كقولهم : صاحبت صاحب تريه وسط المجال كداب (من الكذب) ومن ذلك لم يستفد الاسمع الا ان المصاحبة كانت فى الزمن الماضى وقد يفيد الاستمرار التجددى بالقرائن كقولهم : مشيت انا معاه وقلبى من الهموم كذاب (مثل الدابة)
فان قول الشاعر عن قلبه بانه كداب كثرة ما تحمل من هموم جرها اليه صاحبه بعد قرينه دالة على استمرار الصداقة بينهما وتجددها رغم معاناة .
ولكن الجملة الاسمية لا تفيد الثبوت باصل وضعها ولا الاستمرار بالقرائن الا اذا كان خبرها جملة فعلية فانها تفيد التجدد كقولهم ..
" بعد الكتير وبعد ما كنا صبح القليل يجبر خواطرنا "
و " المدفونة تكسر المحرات " – والاصل فى الخبر ان يلقى لاحد غرضين
- الاول : افادة المخاطب بالحكم الذى تضمنته الجملة ويسمى ذلك الحكم فائدة الخبر كقولهم :
جرحى فى قلبى وهجنى واحتاروا فيه الطبابة
والله لابيع جملى وهجنى خدوه منى الطبابة
ففى البيت الاول يريد الشاعر ان يخبر السامع ما كان يجهله من حالة مرضه وبالغ ألمه الذى سببه له ذلك الجرح وفى البيت الثانى يخبره بانه باع جمله مهجينه وانفق ثمنها على الاستشفاء وطلب التداوى
الثانى : افادة المخاطب بان المتكلم عالم بالحكم ويسمى ذلك لازم الفائدة كقولهم :-

1 - الرجل تدب مطرح ما تحب 2 – الغاوى ينقط بطاقيته


وكذلك قول الشاعر :-
اتلموا الطبابة مع الدون وباتوا العوازل فى راحة
قلة قعــــادك مع الدون تلــــقاه مكـــسب وراحة
وقد يلقى الخبر لاغراض اخرى تفهم من سياق الكلام كقولهم :-
السبع سبع وليه اهمية يموت من الجوع ولا ينزل على رمية
ومن هذا المثال يفهم ان الشاعر انما اراد الفخر بعزة نفسه وانفته وتعاليه عن اكل الميتة اذا ما جاع وتفضيله الموت جوعا عن فعل ذلك والغرض من ذلك هو الفخر ، وقد يكون الغرض التحسر على ما كان يتمتع به من سلطان وجاه وقد زال كل ذلك وترك وراءه الحسرة كقولهم :
عصاية السبع خلت وبقيت شلايح فلايح
آه من الدنيا اللى خلت كلاب البلد مشايخ
وقد يكون الغرض من الاخبار هو ( اظهار الضعف ) كما يريد الشاعر ان يخبرنا بذلك فى البيتين التاليين :
كبرت فيران البلد والقط شافها وطار
والله عجيب يا زمن القط يصبح فار
وعبر الابيات التالية يريد الشاعر ان يخبرنا عن حاله فى ليلة قضاها ذات شتاء فى الفضاء والطل يهطل عليه وغرضه من ذلك هو " الاسترحام "
بيّت فى الطل وكانت ليلتى طل فى طل
ودمع عينى على الخدود لم بطل
حبيبى خدته نومة ولا العشم بطل

اما اضرب الخبر وخروج الخب عن مقتضى الظاهر فهذا الموضوع لا يمكن تطبيقه فى الأقوال الشعبية لعدم لعدم ورود ادوات التوكيد اللازمة لان يكون الضرب " طلبيا "او " انكاريا " فى اضرب الخبر وقولنا فى ذلك - إن صح – هو ان الضرب الوحيد المستخدم فى اشعار الشعب هو الضرب من الخبر الابتدائى والذى يكون فيه المخاطب خالى الذهن من الحكم وفى هذه الحالة ليقى اليه الخبر خاليا من أدوات التوكيد
ثانيا الإنشاء :-
والانشاء فى الكلام ما لا يصح ان يقال لقائله انه كاذب فيه او صادق ، والانشاء كالخبر فلكل جملة منه ركنان هما :-
1 – محكوم عليه 2 – محكوم به ويسمى الاول " مسند اليه " والثانى " مسند " وما زاد على ذلك غير " المضاف اليه " و " الصلة " فهو " قيد "
ومواضع المسند اليه ، الفاعل ونائبه والمبتدأ الذى له خبروما اصله المبتدأ كاسم كان واخواتها ..
ومواضع المسند فهى الفعل التام والمبتدأ المكتفى بمرفوعه ، خبر المبتدأ ، وما أصله خبر المبتدأ كخبر كان واخواتها واسم الفاعل والمصدر النائب عن فعل امر
- اما القيود فهى ادوات الشرط والنفى والمفاعيل والتمييز والتوابع والنواسخ والجملة عند علماء المعانى تنقسم الى جملة :-
1 – رئيسية : وهى المستقلة التى لم تكن قيد فى غيرها
2 – غير رئيسية : وهى ما كانت قيدا فى غيرها وليست مستقلة بنفسها ..
- اما الانشاء فهو نوعان هما :-
أ – الانشاء الطلبى
وهو ما يستدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ويكون امرا
كقولهم : - اكنس بيتك ورشه ما تعرف مين يخشه
- اشتغل بقرش وحاسب البطال
ونهيا كقولهم :-
- لا تندم ولا تشكر الا بعد ست اشهر
- لا تعايرنى ولا اعايرك الهم طايلنى وطايلك
* امر ونهيا معا كقولهم :- حرس ولا تخون
* ويكون بالاستفهام كقولهم :-
- إيش غرض الاعمى ؟ قال : قفة عيون
- اخبار البلد مع مين ؟ مع العمى والمكسحين
وكقولهم ...
- ليه يا زمانى بسوء الحال دور تانى
- عرفت نيتى وعلاى تدور دور تانى
* ويكون بالتمنى كقولهم :-
- يا ريتنى بيضة وليا ضب والله البياض عند الرجال يتحب
* وقولهم ايضا .... بغرض النداء ..
- يا باكى علاى خفف مدامعك فى الحياة ما نفعتنى بعد الممات ما انا سامعك
وكذلك قولهم ...
يا دنية الشوم راحوا فين حبايبكى
خليتى الصغر والكبر حتى الحبا يبكى
واللى ضمك يوم على طول الزمان يبكى
* او بالدعاء كقولهم :-
يا رب توبة نصوحة قبل عصيانى
قبل ما اشيب وامشى بعصيانى
ب – الإنشاء غير الطلبى : -
وهو ما لا يستدعى مطلوبا وله صيغ كثيرة منها :-
1 – التعجب :- مثلما قال الشاعر ..
محلاكى يا مدغة كيفك يرد الراس وعطرونك مر ساقى
لا زيه مطبق ولا قراص ولا الفطير بالتساقى
2 – المديح :- كما ورد فى قولهم ....
- اقل عيشة احسن من الموت
3 – الذم :- كقولهم :-
( ابرد من مية طوبة ) او ( اقل منها احسن منها )
4 – القسم :- كقول احدهم ..
والله ما يبقى العدو حبيب حتى يصير الحمار طبيب
5 – افعال الرجاء :- كقولهم ...
يا ريتنى بيضة وليا ضب والله البياض عند الرجال يتحب
6 – صيغ العقود :- وقد يكون الانشاء غير الطلبى بصيغ العقود " كبعت واشتريت " مثل قولهم:
- اشترى بدرهم بلح بقي له فى الحى نخلة
- يبيع الجمل وينقى فى قراده
وقد تكون الجملة فى اللفظ خبرية وهى انشائية فى المعنى ، وعلى ذلك تعد فى باب الانشاء كقولهم ...
- اجرك على الله يا لى صاحبك باعك
- تهرب تروح فين يا لى صاحبك باعك
ففى البيت الاول نلاحظ الكلمات " اجرك على الله " تدل ظاهريا على الخبر حيث يخبر المتحدث سامعيه بان ثوابه على ما فعله مع صاحبه هو عند الله سبحانه وتعالى ومن جهة اخرى يدعو له بان يثيبه الله تعالى خير الثواب مقابل ما صنع مع صاحبه وفى هذه الحالة تعد الجملة الانشائية لاغرض منها " التمنى " و "الدعاء " وفى جملة " ياللى صاحبك باعك " " نداء " ثم الاستفهام الذى معناه ( الى اين تذهب ) ثم النداء مرة اخرى بنفس اللفظ السابق " ياللى صاحبك باعك " ومثل هذه الجمل ترد كثيرا فى ادبنا الشعبى شعره ونثره .




ثالثا علم البديع

وهو دراسة لا تتعدى تزيين الالفاظ او المعانى بالوان بديعة من الجمال اللفظى او المعنوى وهو يشتمل على محسنات لفظية وعلى محسنات معنوية
اولا : المحسنات اللفظية :- ومنها ..
أ – الجناس :
والجناس ان يتشابه اللفظان فى النطق ويختلفان فى المعنى وهو ينقسم الى الانواع التالية :-
1 – الجناس التام :-
وهو ما اتفق فيه اللفظان فى امور اربعة هى :-
( نوع الحروف ) ، ( شكل الحروف ) ، ( عدد الحروف ) ، ( ترتيب الحروف ) مثل قولهم ..
اخترتك يا سنبلة روحى عشان اكيد العوازل كدت انا روحى
وفى هذا اليبيت نلاحظ الجناس بين كلمتى " روحى " فى الشطر الاول و " روحى " فى الشطر الثانى تتشابهان تمام فى نوع الحروف وعددها وشكلها وترتيبها ولكنهما تختلفان فى المعنى فالاولى بمعنى " اذهبى " والثانية بمعنى " نفسى " وكما فى قولهم ...
عصاية السبع خلت وبقيت شلايح فلايح
اه من الدنيا اللى خلت كلاب البلد مشايخ
ومن هذين البيتين نلاحظ الجناس بين كلمتى " خلت " فى الشطر الاول من البيت الاول وكلمة " خلت " فى الشطر الاول من البيت الثانى فهما تتشابهان تماما فى نوع الحروف وعددها وشكلها وترتيبها ولكنهما تختلفان فى المعنى فالاولى معناها " اختلت " والثانية معناها " جعلت "
2 – الجناس غير التام : -
وهو ما اختلف فيه اللفظان فى واحد من الامور السالف ذكرها فى التام وهى نوع الحروف وشكلها وعددها وترتيبها . وما اكثر هذا المحسن البديعى فى ادبنا الشعبى ونسوق من ذلك العديد مثل قولهم :-
" كل تاخيرة وفيها خيرة " والجناس هنا بين "تاخيرة" و" خيرة " ومثل
" احنا اختين ولينا بختين " والجناس بين اختين وبختين ومثل ..
" برد الغمر يقصر العمر " والجناس بين الغمر والعمر
3 – الجناس المركب :-
وهو كثرة اشتقاق الالفاظ المبتكرة فى مضمار المعانى واطلاق عنان البلاغة فى ذلك
كاس الطلا لطلاها طال لما سر
وصار لما حوى خمرا مكلل در
مدام لو طعم كله حلو ما هو مر
ما حل مملوك الا صار مالك حر
ونرى ذلك فى كثرة اشتقاق الالفاظ فى كلمة ( طلا ) ( طلاها ) ( طال )


4 – الجناس المضارع :-
وهو ما تغير احد ركنيه بحرفين من مخرج واحد كحمام وغمام ( وليل دامس) و ( طريف طامس ) فقد تغير " حمام " و " غمام " الحاء ابدل بالغين وكذلك الدال بالطاء بالنسبة لدامس وطامس ، و كقولهم :-
الورد لاحمر بدا مثل الخدود الحمر
ونحن فى ذى الليالى النيرات القمر
فنهض لنقصف عليه قبل انقضاء العمر
ولا تكن مثل جاهل بالخلاعة غمر
وفى هذا المربع نلاحظ الجناس المضارع واضحا جليا فى تبديل حرف باخر وهو " حمر" وقمر " و " عمر " و " غمر "
5 – الجناس اللفظى والمقلوب :-
وهو النوع الذى اذا تماثل ركناه تجانسا خطا خالف احدهما الاخر بابدال حرف منه فيه مناسب لفظه كما يكتب بالضاد والظاء وفى ذلك قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة " وكقولهم ..
سيوف الالحاظ امضى من حدود الضبا
وقلوب الاساد تخضع فى الهوى للضبا
ان هب من ارض من اهوى نسيم الصبا
جرت دموعى على عصر الوصل والصبا
والجناس اللفظى او المقلوب فى هذه المواليا بين الضبا وهو السيف والظبا وهو الغزال حيث ابدل الضاد بالظاء فى القفل الاول وكذلك فى الثانى
6 – الجناس المرفو :-
وهو ما تركب احد ركنيه من كلمة او جزء او حرف من الحروف المستقلة كقوله عليه الصلاة والسلام " بسم الله وبه بدينا فحبذا ربا وحب دينا " والجناس المرفو فى " بدينا " " دينا " وفى المواليا : قولهم ..
يا من نصب للقلوب من العيون اشراك
قل لى باتلاف قلب الصب من اغراك
العرب تفديك والاعجام والاتراك
ما ضر بالوصل لو تعطف على اسراك

وجزء الكلمة " راك " وقد اضيف اليه الحروف ورفا الجناس فى "أشراك " و " واغراك " و " والاتراك " و " اسراك " .
7 – الجناس المشوش : -
وهو جناس تجاذبه طرفان من الصنعة فلا يمكن التعبير عنهما باحدهما فمثلا الجناس فى " محرف " و " محرق " فانت اذا جعلت القاف فاء صار الجناس ناقصا او حذفت القاف وابقينا الفاء على حاله يصير مصحفا فلما كان لا يصدق الا اذا جذبته الى طرفين صار مشوشا . كما يلى :

عليت روح تودك بالهجر عليت
عليت من لا يودك بالوصال عليت
سليت بالبعد جسم متيمك سليت
سليت من دون منى بالقرب سليت
وفى هذا المربع نلاحظ تجاذب طرفيه فى الشطر الاول فى كلمة عليت بمعنى امرضت وكلمة عليت فى الشطر الثانى وهى بمعنى " رفعت " او " زدت فى العلو " وكذلك كلمة " سليت " فى الشطر الثالث تاتى بمعنى " اصبت بالسل" وكلمة " سليت " فى الشطر الرابع وهى بمعنى " منحته الصبر والسلوان"
- الجناس المجنح :-
وهو جناس له جناحان او طرفان واصطلاحا كلمة مفردة مستقلة بمعنى يجعل لها حرفا باولها وحرفا باخرها كالجناحين فيخرج من ذلك المعنى قال جلال السيوطى المجنح ما كان احد ركنيه فى اول البيت والثانى فى اخره واورد فى ذلك مثلا قول زهير بن ابى سلمى :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا ابالك يسام
فق جانس بين " سئمت " و " يسام " وقال صلاح الدين الصفدى ..
سل صبرى وصدغه فوق خده سال
ومل وصلى وعنى للاعادى مال
وجل خطبى ولحظه بالموافى جال
وحل قتلى ولما حل وعدى حال
وهنا نجده قد جانس بين ( سل ) فى اول الشطر و ( سال ) فى نهايته وكذلك ( مل ومال ) و ( جل و جال ) و ( صل وصال ) و ( حل وحال ) وهذا ما وصفوه بالجناس المجنح
- الجناس المصحف :-
وهو ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا مثل :-
( يقى و يفى ) وكقول الشاعر :-
من لطفك التام ما راد القلب اعطيت
وحياتى من جميلك بالسفر عظيت
ولى طريق المشاكل سيدى وطيت
وما اشتهى خاطرى اعطيت ما بطيت

وقد يقع فى المواليا كثير من التصحيف والتحريف فيغير المعنى لوجود التشابه فى الحروف وتقارب نطقها وتقارب مخارجها ومن ذلك فى الشعر غير المعرب
- تجنيس الخط :-
وهو اختلاف اللفظ دون الخط كقوله تعالى " وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا " ومن ذلك ما قاله صلاح الدين الصفدى :-




لما بتدت ترذت حلة الانوار
وقد تجلت تخلت عندها الاقمار
وحين مادت ابادت قامة الخطار
وقد تعنت تغنت عندها الاوتار

وقد برز فى هذا المربع اختلاف اللفظ دون الخط
- الجناس المزدوج :-
وهو ان يولى احد المتجانسين الاخر من غير فصل بينهما نحو جد وجد وما سوف نراه فى المربع التالى :
يا صاحب الخال مالى فاتنى فاتنى
غير النجد بك ورد الفاتنى فاتنى
يا زين مثلى فتن جن فاتنى فاتنى
وقد جانس الشاعر " فاتنى فاتنى " ثلاث مرات متتالية وهذا هو الجناس المزدوج وكذلك فى قول الشاعر فى ( الكاف الكاف ) التالية
يا من عصا وتجرا ارجع الى من قد ستر
اراك تعصى ولطفه دايم وراك وراك
ونلاحظ هنا ت جانس كلمة ( وراك - وراك )
- الجناس المفروق :-
وهو ان يتفق فى صورة الحروف دون النقط واللفظ فان كان ذلك فى الكتابة سمى " مفروقا" من ذلك قولهم ...
يا مغربى آس فى خدك ولا اش
قال لى وقد ماس هذا نمل فوق ماش
فقلت من باس خدك صبح واس باش
فقلى حا سما مثلك لمثلى حاش
وهنا نلاحظ ان الشاعر قد جانس " آس و آش " و " ماس و ماش " و كذلك " باس و باش " و " حاس و حاش "
- الترصيع :-
وهو ان تكون الكلمتان فى استواء الوزن والعجز سواء مثل قول الله تعالى " ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم " وقد يجئ مع التجنيس نحو " اذا كلت الابصار قلت الانصار " واما الترصيع فى الشعر غير المعرب فاننا نراه واضحا فى المواليا الخماسية التالية :-




وحق يا بدر " من لك " مهجتى " ملك "
لا تسمع من " يقولك " عاشقك " ملك "
جعلت جفنى " محلك " والفؤاد " ملك "
بالله " واصل " ولا تسمع كلام " واصل "
والعقل يا منيتى والروح والمال لك
- الاشتقاق :-
وهو ان تاتى بالفاظ يجمعها اصل واحد ويكون معناها مشتركا كما ان حروفه الاصول المشتركة فتزيد على معنى الاصل تغاير اللفظين بوجه لـ " ضرب و يضرب و اضرب وضارب ومضروب و ضروب ومضراب ومضرب وقد يتلاعب الشاعر بالافاظ ومشتقاتها ليدلل على انه قادر على تركيب لوحة فنية رائعة يعجب بها السامع والقارئ وعلى الرغم من تكرار اللفظة فى " الصفاء " فلا نكاد نرى فجوة نحلل هذه المواليا : كقول الشاعر :
ياللى معاى حلبت من جهل صاغ او صفى
وصفى وصافك واوصافك شبيه او صفى
منحيث اهل الصفا نال الصفى من صفى
- لزوم ما لا يلزم :-
معناه فى الاصطلاح ان الناشر او الناظم يضيق على نفسه فى التزام مؤاخاة الفاظ التشجيع وفى التنزيل قوله تعالى " فأما اليتيم فلا تقهر وأمل السائل فلا تنهر " ويتضخ ذلك فى الثلاثية التالية :-
أقبل بقى معه فى خطر لما خطر
وصعد انفاسى ومعى قطر مثل المطر
لولا رجا قلبى انه يقضى وطر كان انفطر
ثانيا :المحسنات المعنوية :-
والمحسنات البديعية المعنوية كثيرة ولكنا سنقتصرعلى بعضها مما اشتهر وذاع ذكره وكثر وروده فى ادبنا الشعبى وخاصة بين الجماعات الشعبية ، وبين هذه المحسنات تخيرنا الاتى :-
1 – الطباق : -
والطباق والمطابقة كلاهما مصدر للفعل ( طابق ) يقال طابقت بين الشيئين اذا جعلتهما على حذو واحد والزمتهما وطابق بين قميصين : لبس احدهما على الاخر ، فالمادة اذا تدور حول الموافقة والمساواة والمناسبة ، وفى اصطلاح البلاغيين ان تجمع فى الكلام الواحد او ما هو كالكلام الواحد فى الاتصال بين معنيين متقابلين فى الجملة والمقصود بالتقابل : أن يكون بين المعنيين مطلق تنافى دون نظر الى نوع هذا التنافى او مقداره
والطباق ينقسم الى قسمين :-
الاول : طباق السلب :-
وهو ان تجمع بين فعلى مصدر واحد – احدهما مثبت والاخر منفى او احدهما امر والاخر نهى وهو نوعان :-
النوع الاول :
ان يكون احد طرفيه مثبت والاخر منفى

مثل قول الله تعالى : " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " الزمر اية 9
ومثل قول السموأل :-
وننكر ان شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول
اما فى ادبنا الشعبى فاننا نرى ذلك فى قولهم :-
ولا يوم من الهم فقنا ولا فقناش من الهم واصل
سجنونا فى سجون قنا زنازين داخل حواصل
وهنا نجد شاعرنا الشعبى قد طابق بين " فقنا " بمعنى عدنا الى طبيعتنا قبل اصابتنا بالهم .. وبين "ولا فقناش " نفيا للفعل "فقنا " سالف الذكر بمعنى لم نخلد الى الراحة بعد الهم ..

النوع الثانى :-
ان يكون احد طرفيه امرا والثانى نهيا مثل قوله تعالى " فلا تخشوا الناس واخشون " ( سورة المائدة – اية 44 )
كقول الشاعر : لا تسالن بنى ادم حاجة وسل الذى ابوابه لا تحجب
اما فى ادبنا الشعبى فاننا نرى ذلك واضحا فى قولهم :
- لاقينى ... ولا تغدينى
- اخطب لبنتك ولا تخطبش لابنك
وهنا نلاحظ ان القائل طابق بين " لاقينى " بمعنى قابلنى المقابلة الحسنة وبين كلمة " ولا تغدينى"بمعنى لا تقدم لى غذاء وكذلك فى المثل الثانى طابق بين كلمة " اخطب " بمعنى تخير لابنتك عريسا وبين "ولا تخطبش " بمعنى لا تتخير لابنك عروسا
ثانيا : طباق الايجاب
وهو ان يجمع بين معنى ومقابلة لا بالنفى ولا بالاثبات او الامر او النهى وهو نوعان :-
الاول :- ان يكون المعنيان قد دل عليهما بلفظين من نوع واحد ( اسمين او فعلين او حرفين ) ..
أ – التطابق باسمين :
كقوله تعالى " وتحسبهم ايقاظا وهم رقود " ( الكهف اية 17 )

وكقول الشاعر : هواى هوى باطن ظاهر قديم حديث لطيف جليل
ونرى ذلك واضحا جليا فيما بين ايدينا من اقوال كقول احدهم :
الندل ميت وهو حى ما حد حاسب حسابه
لحمه يشبه الترمس النى حضوره يشبه غيابه
وفيه نرى الشاعر قد طابق بين لفظى " ميت " و " حى " فى البيت الاول وبين لفظى "حضوره " و " غيابه " فى البيت الثانى


ب – التطابق بفعلين :
كقوله تعالى " وانه هو اضحك وابكى وانه هو امات واحيا " سورة النجم – الاية " 43 ، 44 "
وقول الشاعر : اما والذى اضحك وابكى والذى امات واحياه والذى امره الامر
اما فى شعرنا الشعبى فاننا نستبين ذلك فى قول الشاعر الشعبى الاتى والذى يسال الدنيا عن احبته اين ذهبوا :
يا دنية الشوم راحوا فين حبايبكى
خليتى الصغر والكبر حتى الحبا يبكى
واللى ضحك يوم على طول الدوام يبكى
وفى الشطر الثالث من هذه المواليا نرى شاعرنا قد طابق بين فعلى " ضحك " و" يبكى " كما نرى انه طابق بين اسمين فى الشطر الثانى بين " الصغر " و " الكبر "
جـ - التطابق بين حرفين
كقوله تعالى " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " البقرة الاية 286
وكقول الشاعر : على اننى راضى بان احمل الهوى واخلص منه لاعلى ولا ليا
وفى ادبنا الشاعر نراهم قد اقلوا من ذلك التطابق فى اشعارهم ولكنهم قد استخموه فى اقوالهم وامثالهم الشعبية كقولهم ...
- دود المش منه فيه
- من القلب للقلب رسول
وفى المثال الاول نرى الناشر قد طابق بين حرفين الاول " منه " والثانى " فيه " وفى المثال الثانى نجده قد طابق بين حرفين الاول " من " والثانى " اللام " ومن الجدير بالذكر ان التطابق بين حرفين نادر كل الندرة فى اشعارنا الشعبية لذلك لجانا لان ندلل على ذلك بالامثال ...
النوع الثانى :
هو ان يكون المعنيان قد دل عليها بلفظين من نوعين مختلفين " اسم وفعل " او " فعل واسم " كقوله تعالى :-
" او من كان ميتا فاحييناه " سورة الانعام – الاية 122
وكقول الشاعر :
لقد كان يدعى لابس الصبر حازما فاصبح يدعى حازما حين يجزع
وفى ادبنا الشعبى نرى قولهم :-
صبحت من الهم مهموم منيش بالسر بايح
اضحك لو كنت مهموم والقلب موثوق جرايح
ومن خلال البيتين السابقين نلاحظ ان الشاعر قد طابق بين " الفعل " " اضحك " وبين الاسم " مهموم " دلالة على الفرح فى اللفظ " اضحك " ودلالة على العناء والكدر وعدم صفاء النفس فى اللفظ " مهموم "

– المقابلة :
وهى تعنى فى اصطلاح البلاغيين : ان يؤتى بمعنيين متوافقين او معان متوافقة ثم يؤتى بما يقابلها على الترتيب ونرى هذا المعنى فى قوله تعالى " فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا "
وقول ابى العلاء المعرى :-
ما䀠احسن الدين والدنيا اذا اجتمعا واقبح الكفر والافلاس بالرجل
وللمقابلة عدة صور نذكر منها الاتى : -
الصورة الاولى :
ان تكون المقابلة بين اثنين واثنين
كقوله تعالى " فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا "
وكقول جرير : واعور من بنهان اما نهاره فاعمى واما ليله فبصير
وقد وردت هذه الصورة فى ادبن الشعبى كقولهم :-
ان حبيت دارى وان كرهت وارى
وهنا نجد الناظم قد قابل بين " حبيت " بمعنى احببت وبين " كرهت " وهى بنفس المعنى وبين " دارى " بمعنى اكتم سرك واحفظه وبين " وارى " بين اعلن ولا تخفى فى ذلك سرا
الصورة الثانية :
ان تكون بين ثلاثة وثلاثة كقوله تعالى : -
" ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث "
وكقول ابى تمام : يا امة كان قبيح الجور يسخطها دهرا فاصبح حسن العدل يرضيها
وقد اتت هذه المقابلة فى ادبنا الشعبى بشكل شبه منعدم وقل ما نجد مثلها فى الشعر اللهم قولهم :
ابن مين المحمول ؟ ابن اللى عندها ماكول وابن مين الماشى ابن اللى ما عندهاشى
وهنا نجد الشاعر قد قابل بين كلمة " المحمول " فى الشطر الاول وبين كلمة " الماشى " وكلمة "ما عندها " وكلمة " شى " فى الشطر الثانى ، ونود هنا ان نشير الى ان هذه الصورى هى اخر ما تمكن الشاعر من الوصول اليه من صور المقابلة


3– المبالغة :
والمبالغة : فى اصطلاح البلاغيين .. هى ان يدعى لوصف ما بلوغه فى الشدة او الضعف حدا مستحيلا او مستبعدا لئلا يظن انه غير مثناه فى الشدة والضعف كقول بشار بن برد
اذا غضبنا غضبة مضربة هتكنا حجاب الشمس او قطرت دما
وكقول عمرو بن الهيثم :-
ونكرم جارنا مادام فينا وتتبعه الكرامة حيث مالا
اما فى ادبنا الشعبى فاننا نجد الشاعر قد اورد فى ذلك المضمار الكم الوفير ونراه قد بالغ فى الكثير من افعاله واقواله حزينا كان او فرحا جادا او هاذلا معاتبا او مستفسرا كقوله:
ليه يا طبيبى تكلنى ٍوجسمى ما طايق الخلايق
اريد الوحوشة تكلنى ولا لطعتى عند الخلايق
ففى هذا المربع نجده قد بالغ فى تضحيته بنفسه وجعلها مائدة للوحوش كى لا يجعل من نفسه ضيفا ثقيلا عند الناس " الخلايق " – فى البيت الثانى – اما فى البيت الاول فنراه قد بالغ وصف شدة المرض الى حد ان جسده لم يعد يحتمل الملابس التى تستره فى " جسمى ما طايق الخلايق " وكذلك نرى المبالغة فى قول احدهم :-
يا دنيا كام غلبك تعبنى والمخ بالفكر شارد
خلىِّ البال يقوللى تعبنى ولعينى شايف الهدايد
وهنا نلاحظ شدة ما يعانيه الشاعر من غلب الدنيا وتجبرها عليه الى حد ان فكره قد شرد عنه ولم يعد قادرا على عمل اى شئ ورغم كل ذلك نجد خلى البال يطلب منه القيام بعملية البناء فى " تعبنى" بمعنى " تعال ابن " مخالفا فى ذلك كلمة " تعبنى " فى البيت الاول فهى بمعنى " اصابنى التعب " وفى كليهما مبالغة فى الوصف ..
4 – حسن التعليل :
وهو ان يدعى ناثر او شاعر لوصف من الاوصاف علة مناسبة غير حقيقية على جهة التخيل والتظرف ، كقول الشاعر :
ما زلزلت مصر من كيد يراد بها انما رقصت من عدله طربا
وكقول ابى العلاء المعرى :
وما كلفة البدر المنير قديمة ولكنها فى وجهه اثر اللطم
اما فى ادبنا الشعبى فان حسن التعليل من الاشياء التى ترد فيه كثيرا لمحسنات بديعية معنوية خاصة وان الشاعر الشعبى قد ارتبطت اشعاره برصد الظواهر واستخدام المتاح له من البيئة المحيطة به من الفاظ ومعان للتدليل على ما ينظم من اشعار وتاكيدها كقول احدهم ..
سكت الهوا والناموس تار والسبع طاطا بعينه
قال خليه دا النوم استار لما الكلب ياخد يومينه
وفى هذا المربع نجد شاعرنا قد بالغ فى استهتار " السبع " " الاسد " وعدم اهتمامه بما يجرى حوله حتى لمجرد سكوت الهوا " هدوء الريح " وقيام الناموس وهو اصغر المخلوق حجما بثورة وتحليق فى الفضاء معللا بذلك ان تلك الايام هى زمن الكلب وانه يجب ان يكمل نومه حتى ينتهى هذا الزمن
وكقول اخر : ان قام شروك قوم معاه وولع من الثلج ناره
وان نام شروك نام معاه جريك وراه بالخسارة
وفى هذا المربع نجد الشاعر قد بالغ فى وصف الابحار واستغلال الوقت الذى تشتد فيه الرياح حتى وان أشعل من الثلج نارا معللا ذلك بانه هو مكسبه الحقيقى واما اذا هدات الرياح صنحه بالخلود الى الراحة معللا ذلك بانه الخسارة فى بذل المجهود واضاعة الوقت فيما لا يجدى ولا يفيد

5 – التورية :
هى فى عرف البلاغيين ان يذكر لفظ له معنيان احدهما قريب يتبادر معناه الى الذهن والاخر بعيد ، دلالة اللفظ عليه خفية ، والمراد هو البعيد منها وقد روى عنه بالمعنى القريب فيتوهم
السامع لاول وهلة ان المتكلم يريده وهو ليس بمراد له ، ولما فيها من التوهم اطلق عليها اسم الايهام .. وبقليل من الايجاز " هى ان يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان قريب ظاهر غير مراد وبعيد خفى هو المراد " كقوله تعالى : " الرحمن على العرش استوى " فان فظ استوى له معنيان الاول يتبادر الى الذهن وهو الاستقرار الحسى على سرير ونحوه والثانى هو الاستيلاء والتملك والتمكن والاول غير مراد واما المراد فهو الثانى وهو الاستيلاء
وكقول الشاعر :-
او الغزالة من طول المدى فرقت فما تفرق بين الجدى والحمل
والتورية هنا فى لفظ "الغزالة " لان لها معنيين احدهما قريب وهو الحيوان المعروف وهذا المعنى غير المراد والثانى بعيد مراد وهو الشمس ..
وتكثر التورية فى ادبنا الشعبى ونلاحظ ذلك كثيرا رغم ان الكثير من الباحثين لم يهتم بذلك واكتفى فقط بتسليط السمع والبصر على الالوان البديعية الاخرى كالجناس باشكاله العديدة والمتعددة والتى ابدع فيها الشاعر الشعبى ايما ابداع غير اننا اذا ما نظرنا الى التورية فى ادبنا وجدناها تظهر على استحياء فى اقوالهم ومثال ذلك : قول الشيخ على الناجى مخاطبا زوجته :
ان رقادى تعبكى والهم كاين وسايد
هاتى حبايبك تعبكى على طريح الوسايد
وهنا نلاحظ فى البيت الاول كلمة " وسايد " تحمل معنيين الاول الوسايد التى تستخدم للنوم قريب غير مراد اما الثانى وهو البعيد المراد ففى نفس اللفظ بمعنى : سائد اى مسيطر ومتسيد الموقف ، ونجد ذلك ايضا فى قول الشاعر عبدالستار سليم :
للناس هاحكى حكاية وضنين لو صدقوها
مكوى من لاجرح كاية كم ناس قبلى داقوها
والترية هنا فى لفظ " ضنين " لان له معنيين الاول قريب بمعنى " البخيل قليل العطاء " وهو غير المراد اما الثانى فهو بمعنى " قليل ونادر " ان لم يكن مستحيلا وهو البعيد المراد ،ونلاحظ ذلك ايضا فى قوله :
من ناعم الصبر سفيت وفتلت منه حبالى
وكبست جرحى ما خفيت ولا فارق الجرح بالى
والتورية هنا فى لفظين الاول " ناعم " وهذا اللفظ له معنيان الاول بمعنى " مستمتع " وهو غير المراد والثانى بمعنى " مطحون حتى صار ناعما " وهو المراد – اما اللفظ الثانى " الصبر " وهذا اللفظ له ايضا معنيان الاول " بمعنى الجلد وقوة التحمل " وهو غير المراد والثانى بمعنى " النبات المر " وهو المراد

تعقيب
فن الواو :
لقد كقر فن الواو انتشارا وشهرة وتردد ذلك اللفظ على السنة العامة فى اقوال الجماعات الشعبية .
لقد سمى الواو بهذا الاسم فى اعتقادنا او من وجهة نظرنا .. لما فيه من لف ودوران وهو بهذا الشكل يشبه حرف الواو فى اللغة العربية ولا نستطيع ان نقول بان العامة من الناس قد ابتدعوه لكنهم اضافوه الى فنونهم الشعبية اضافة اذ انه كان بالفعل موجودا غير ان العامة لم يلتفتوا اليه او يستخدموه الا فى وقت متاخر قد يرجع بنا الى مئات السنين وتحديدا فى العصر المملوكى حيث كان الاضطهاد قد تفشى فى ذلك الوقت فكان لابد للعامة من وسيلة للتعبير عن ضيقهم والافصاح عما يكمن فى خلجاتهم من مشاعر معادية للحكومات والولاة فى ذلك الوقت لما كانوا يعانون من قهر واستبداد واستعباد من جهة ومن خوف ورعب وفزع من جهة اخرى فكانوا اذا ما قصدوا ذلك يقولون اللفظ بمعناه الظاهر فى حين يقصدون من وراه معناه الخفى كما كان يقول فنان الشعب خالد الذكر سيد درويش مادحا زعيم الشعب سعد زغلول " يا بلح زغلول " مستعيرا هذا اللفظ لنقل مشاعر الشعب المقهور تجاه زعيمه المناهض مع العلم بان العامة قد استخدموه فى وقت سابق لذلك وتعددت فيه اغراضهم ولكى نتعرف على الاصول الاولى لذلك كان يجب ان نرجع الى الازمنة المنصرمة والعصور الادبية الماضية ومن خلالها عرفنا ان الواو رغم تعدد اسباب ظهوره ورغم تعدد الاراء فى مرجعية تسميته يمكننا القول بان الواو ما هو الا ...
الجناس التام المستوفى :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا النوع من الجناس يكون طرفاه مختلفين كان يكونا " اسما وفعلا " او " اسما وحرفا " او " فعلا و حرفا " وهذا النوع اكثر ورودا من الجناس التام المماثل لتسامحهم فى بعض القيود التى اعتبروها فى المماثل ولذلك كثرت امثلته فى كلام الادباء كقول ابى العلاء المعرى :-
لو زارنا طيف ذات الخال احيانا ونحن فى حفر الاحداث احيانا
وهنا نراه واضحا بين " احيانا " وهى جمع حين وبين " احيانا " وهى فعل بمعنى بعث فينا الحياة بعد الموت . وكذلك قول ابى الفتح البستى :-
قيل للقلب ما دهاك اجبنى قال لى بائع الفرانى فرانى
ناظراه فيما جنا ناظراه اودعانى امت بما اودعانى
وفى البيتين السابقين نرى ثلاثة مواطن من الجناس وهم ..
الاول : الفرانى : اسم وفرانى : فعل والثانى : ناظراه بمعنى : جادلاه " فعل امر مسند الى الف الاثنين " وناظراه : اسم بمعنى "عيناه " اما الثالث فهو بين "اودعانى " وهى من مقطعين " او " حرف عطف و " دعانى " فعل امر بمعنى اتركانى وبين "اودعانى " الثانية وهى ماضى " اودع " مضافا اليه الف الاثنين " فاعل " والنون للوقاية والتاء ضمير المتكلم مفعول به .. وقد زخر ادبنا الشعبى بالكثير والكثير من الاشعار التى نرى فيها الجناس التام المستوفى بشكل متعدد الصور والالوان ففى الابيات التالية او الشطور التالية نلاحظ توافر هذا الجناس او كما يسمية العامة الواويات :



صاحبت صاحب تريه وسط المجال مهناش
مسيت انا معاه وقلبى من الهموم مهناش
لما سالت عليه قالوا صاحبك مهناش

وفى هذه الدحوة نلاحظ الجناس بين " مهناش " الاولى : وهى بمعنى : ليس هنا او غير موجود ، " ومهناش " الثانية : وهى بمعنى : لم يهنا معه بصحبة و " مهناش " الثالثة : بمعنى لم يهن ، بدليل سؤالك عنه
وفى مثال اخر يقول احدهم :-
انا راكب مهـــــيرة كلحى وفيها الرمايم زينة
وان صدقت الامانة كلحى والشرق والغرب لينا
والجناس فى المثال السابق كما هو واضح بين لفظى " كحلى " الاولى وتعنى "ك" اداة تشبيه "الحى" الثعبان – اى كالثعبان تتلوى اثناء جريها .. وبين "كلحى " الثانية وهى تعنى ان الشاعر منسوب الى قرية الكلح – إحدى قرى مركز إدفو اسوان
وفى مثال ثالث :
شجرة المحبة متنشاف والفرع الاخضر يلالى
لابد الحـــــية متنشاف لو طالت عليها الليالى
وفى هذا المربع نرى الجناس بين لفظى " متنشاف " الاول وهو بمعنى لاتجف او تيبس فروعها ، وبين " متنشاف " الثانية وهى بمعنى لابد ان ترى او تشاهدها العين
وفى مثال اخر :
القعدة حلوة بلا شقاق والقلب ما يسيع الا واحد
حتى القناية بلا اشقاق ما تسقى حــــوض واحد
وفى هذا المربع نلاحظ الجناس بين لفظى " بلا شقاق " الاولى : وهى تعن الاشقاء اى الاخوة وبين " بلا شقاق " الثانية : وهى تعنى بدون ان تشق اى ان القناة بدون ان تشق لا تروى حوضا واحدا
وفى هذا المثال الاخير يقول الشاعر :
جرحى فى قلبى وهجنى واحتاروا فيه الطبابة
والله لابيع جملى وهجنى اخدوه منى الطبابة
وفى قوله نلاحظ الجناس فى لفظ " وهجنى " فى البيت الاول وهى بمعنى " يحرقنى " وبين لفظ " وهجنى " الثانية فى البيت الثانى بمعنى " حصانى الهجين "
ورغم كل ما امكننا البحث من الاستدلالات والشواهد التى سقناها سواء من الادب الكلاسيكى التقليدى او الشعبى لازلت لا اعرف لماذا يصر بعض شعرائنا الشعبيين على ان يطلقوا كلمة " الواو " على كل ما ينطقون من اقوال وكل ما ينظمونه من مربعات على اطلاق الكلمة وشيوعها دون النظر الى ما تحمل الكلمة من معانى او ما تحوى من متناقضات وسواء كان ذلك على المربعات المقفولة او المفتوحة رغم كل ما بين النوعين من احتلافات فى البناء الشعرى









الفصل الثالث
- بعض فنون الشعر الشعبى
- الشعر الشعبى بين القديم والحديث
وعادة ما كانت تختلف هذه المسميات من بلد الى اخر ومن جماعة شعبية الى اخرى خاصة فى بلدان الصعيد ، اذ تختلف هذه المسميات عن بعضها البعض اختلافا جوهريا فى حين يبدو هذا الاختلاف ظاهريا ملموسا نتيجة الحذف والاضافة وعلى الرغم من كل ذلك تظل هذه الفنون باقية على مر الازمنة والعصور حتى وان اختلفت مسمياتها
مهما كان النمط الشعرى او الغرض البلاغى فى اشعار العامة واقوالهم قد اختلفت فى وقت واتفقت فى وقت اخر فان النتيجة لا شك واحدة وهى بقاء النمط الشعرى او الغرض البلاغى صامدا امام كل التغيرات التى قد يتعرض لها فتؤثر فيه سلبا او ايجابا فيتاثر بها وربما اثر فيها هو الاخر بان يترك عليها اثرا من اثاره الباقية رغم الضغوط التى تمارس على الجماعات الشعبية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وربما ايضا لعبت به الاقدار فاضاعت بعضه وابقت البعض الاخر محتفظا بالفاظه ومعانيه سليمة قوية لم تعبث بها الالسنة او الايدى ومعنى ذلك اننا سوف نعرض فى هذا الفصل كل ما يتعلق بمسميات الفنون الشعبية المتعارف عليها فى قرى ومدن الصعيد بهدف التعرف عليها وفى موضع اخر سوف نتعرض كذلك لما قد يصيب الفنون الشعبية من اضافة او حذف مع عقد مقارنة بين كل فن واخر ثم بين شعراء اجيال وشعراء الاخرى من الاجيال الحديثة والى اى حد وصلت جودة ابداعاتهم فى كل عصر وكذلك استعراض بعض انواع الواوات كالمغلق والمفتوح ثم توضيح بعض الاغراض البلاغية كالمدح والهجاء والرثاء والهجاء والفخر ثم استبيان الاسلوبين الخبرى والانشائى

اولا : اللكش :
وهو فى نظر العامة كثرة الكلام والخلط فيه بين الجد والهزل وغالبا ما يتخذ شكل الحدة عند الغضب وقد تصل هذه الحدة الى التراشق بالالفاظ الخادشة للحياء ثم يصل الى حد التشابك بالايدى اذا ما تجاوزت الالفاظ حد الخدش الى مرحلة اكثر من ذلك اهانة واستفزازا
لكنه فى حالة الهدوء يتخذ شكل الهزل والفكاهة ويسمى فى القاهرة وبعض محافظاتالوجه البحرى " بالقافية " وهى مبارزة كلامية بين شخصين او اكثر وهذا النوع من الكلام غالبا ما يتضمن كلمة " اشمعنى " بعد الفقرة الاولى من بدا الحوار لتكون ردا عليها وبعدها يكمل المتحدث كلامه وتكون هذه المبارزة بغرض السخرية والاقلال من شان المتحدث اليه من جهة والتسلية من جهة اخرى وهذا النوع من الكلام بوجه عام تجده بصورة واضحة فى ارياف الصعيد وكان فى السنوات الماضية يعد العامود الفقرى للتسلية والسمر ليلا لكنه كان يختلف فى طريقة العرض والاداء حيث كان يخلو الحوار فيه من كلمة " اشمعنا " كما هو الحال فى الوجه البحرى ويطلق عليه فى صعيد مصر اسم " القريق " وهذا الاسم غالبا ما يكون قد ذكر اشتقاقا من النمط الشعرى القديم المسمى " بالقرقيا " والذى تحدثنا عنه فى اغراض المواليا فى مصر والمعروف بانه كان الغرض منه التسلى والهزل والفكاهة وقد بدا هذا النمط من الشعر الشعبى يتطور وتتغير ملامحه يوما بعد يوم حتى بدا يفقد شكله الشعرى الذى عرف به وربما بدا فى الاندثار اذ قلما تجد من يحتفظ ببعض الكلام من هذا الشكل الشعرى الشعبى غير انه ما زال يستخدم حتى الان فى قضاء اوقات الفراغ ولاتسابق بين


متبارزين تكون الغلبة فيه لمن يقلل من قدر الاخر ويكون الحكم فيه للجمهور او بعض المستمعين كما انه لا يخلو من الصياح وارتفاع الضحكات عند نهاية كل كلام كما ان ذلك يعتبر هو المؤشر الحقيقى للفوز او الخسارة وبه يكون تغليب طرف على اخر
واللكش فى اللغة معناه : خلط الاشياء وضغطها فعبارة " لك الشئ " تعنى خلطه والتلكيك هو التشديد فى الامور وتعقيدها وتعنى لكَّ شيئا ..
وقد حرف عند العامة الى "لكش " وتعنى " لكَّ شيئا " وقد تنطق احيانا " بالقاف " فى بعض المناطق هكذا " لقش " وتعنى سرعة الكلام مع تكرار بعض عباراته ومن امثلته على الطريقة الاولى .. اة فى وجه بحرى .
1 – المتكلم للمتلقى : " ابوك تاه فى الجبل "
المتلقى للمتحدث : اشمعنا
المتحدث : جابته الكلاب بزمارة – اى بزفة
2 – وللرد عليه ينعكس الحال ليصبح المتكلم مخاطبا والمخاطب متكلما وهكذا شريطة ان يتوافر " الفرش " وهو ما يقال فى البدء و " الغطاء " وهو ما يقال للرد على ان يكون الغطاء مطابقا للفرش بمعنى ان ما يقال فى الغطاء يكون كالذى قيل فى الفرش دون زيادة او نقص فى عدد الكلمات مع مرعاة عدم الاخلال بالغرض او المعنى زنلاحظ ذلك فى قولهم :-
الفرش : ابوك تاه فى الجبل جابته الكلاب بزمارة
الغطاء : ابوك تاه فى الجبل جابته خنفسة عمية – ويعنى من وراء ذلك ان اباه من شدة غبائه فقد الطريق ولم يتمكن من العودة حتى اقتادته الخنفسة العمياء فكانت مرشده ودليله ..
ومن امثلته فى محافظات الصعيد قولهم :-
أ – ابوك طق من السباتة كلته العنيز
وهنا نلاحظ مباشرة الكلام واتصاله دون فاصل وهذا هو الفرش الذى معناه ان اباه سقط من اعلى الخيمة المصنوعة من بوص الذرة فاكلته المعيز ، وعى نفس النسق نرى الرد او الغطاء
ب – ابوك ملاقاش امك .. ظبط الفرن وحمق
بمعنى اباه دخل البيت فلم يجد امه فاحتضن الفرن وبكى
وكذلك : أ – امك علقت ابوك فى الشباك وقالت اللى يضرب كلبنا يضربه ربنا
ب – امك حبست ابوك فى القفص وقالت له بيض يا كرع
ثانيا : البكائية – العدودة
والبكائية ( العدودة ) هى شكل من اشكال الشعر الشعبى الغرض منه كما هو معروف التعبير عن الحزن والتحسر ويقال فى الموت كما سماه استاذنا كرم الابنودى " فن الحزن " كما انه قد يقال فى غير الموت للعظة وضرب الامثال كقولهم ..
بعد الكتير وبعد ما كنا صبح القليل يجبر خواطرنا
وعادة ما يخرج المتلقى من هذه الابداعات بعبرة وعظة او يستفيد من تحليل الموقف
والبكائية معناها فى اللغة :- تعنى الافاضة والتعدد فى ذكر مناقب الميت وفضائله وربما مدحه ووصف حالة وفاته اذا لزم الامر والبكائية تندرج تحت المزدوجات قياسا بانماط الشعر وغالبا ما يكون الوزن فيها صحيحا مع اعتبار ان ذلك ينفى ان يكون فيها اوزان مهملة او سماعية وبعضها قد


يتحد فى القافية ويتحد رويا واحدا والبعض الاخر لا يتحد فى قافية ويكتفى فيه بالسجع كقول بعضهن :-
ام العريس يا قاعدة جنبه وليه على القبلة دا انقطف ورده
ام العريس يا قاعدة حوله وليه على القبلة دا انقطف لونه
وفى المثالين السابقين نلاحظ اختلاف الشطر الاول عن الشطر الثانى فى القافية وكذلك الشطر الثالث عن الشطر الرابع وهذه هى العلة الدائمة فى البكائية
فناظمو العدودة دائما يكن من النساء وتكون نظمها ارتجاليا احيانا واخرى تكون محفوظة وغالبا ما تكون القائلة " المعددة " مجاملة لاهل المتوفى او مقابل اجر زهيد على سبيل الصدقة والغرض من وراء العدودة اظهار بالغ الحزن والتاسى على الميت او كما قلنا هى لتعديد مناقب المتوفى وتذكير النائحات به فيدررن الدمع حزنا عليه .
وغالبا ما نرى الجانب الابداعى واظهار الملكات الابداعية لدى المراة الجنوبية على وجه الخصوص محاطا بسياج حديدى من العادات والتقاليد الى جانب كثرة العوامل التى من شانها قتل الملكة الشعرية ومنعها من الظهور وهى فى اوج ازدهارها ولقد استطاعت المراة البسيطة المحاصة بالعتمة ان تفرض نفسها على الواقع الابداعى وتخلق لنفسها من العدم تواجدا ابداعيا بصرف النظر عن الوسيلة التى من خلالها يمكن لذلك الابداع ان يظهر ..
وتمتاز " العدودة " بالقدرة الفائقة على التاثير الفورى رغم ان الفنون بشكل عام تلاقى اختلافا فى طبيعة المتلقى وقد تتنافى مع ميولهم الشخصية او رغباتهم الداخلية وقد لا تناسب همومهم او احزانهم ..
ونطاق " العدودة " على الرغم من محدودية انتشاره وضيق حيزه يكون فى بعض الاحيان ثريا ومتنوع الجوانب فالبكائية الخاصة بالطفل تختلف عن تلك الخاصة بالرجل وعن تلك الخاصة بالمراة وسوف نتناول ذلك بالتفصيل فيما بعد باذن الله تعالى ، وتعتبر العدودة من العناصر الشعرية الشعبية الراسخة فى وجدان الجماعات الشعبية وتعد فى المقام الاول من شعر الرثاء المنتشر بين تلك الجماعات وهى شكل له سماته الجمالية التى تتجسد فيها مجموعة من القيم الانسانية واللمحات الجمالية مثل التكثيف والايجاز و البعد عن المباشرة والاعتماد على الصور الشعرية الشفافة التى تتميز بقدرة فائقة على رفع الوجدان فى حالة الحزن دون تعقيد لغوى وتتسم العدودة باعتمادها على العفوية والارتجال حيث تخرج الكلمات مندفعة دون ان يمارس عليها القائل اى ضغوط عقلية فمبدع العدودة ولا تعنيه على الاطلاق الا قدرة العدودة وتاثيرها فى نفس المتلقى على تفجير الدمع ومؤازرة البكاء والتنفيس عن الصدر الذى يجسم عليه وقع المباغتة والمفاجاة المؤلمة التى المت به
التقسيم الفعلى للعدودة :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولكى نتعرف بشكل اعم واوسع على العدودة كان لزاما علينا ان نقسمها تقسيما فعليا وحسب حالة كل وفاة ..
1 – بالنسبة للرجل :-
ـــــــــــــــــــــــــــ فالبكائية بالنسبة للرجل يندرج تحتها عدة اشكال منها مثلا :-
أ – بكائية تصف حال المراة بعد ان تفقد زوجها بالموت ..
لفوا اعمامة فى طاقة المقعد تبكى الولية كل ما تتعب
حطوا العمامة فى طاقة الديوان تبكى الولية كل ما تتهان


ب – بكائية – تخاطب الطفل الذى مات والده
والله اليتامى وردهم مايل وقعادهم بين العيال باين
والله اليتامى وردهم مقطوف وقعادهم بين العيال معروف
جـ - بكائية تخاطب البنت التى مات ابوها
والله يا بوى اقف وانا اقول لك ما تبطيش يا بوى ما لنا غنى عنك
د – بكائية ترثى الرجل الذى مات بمرض عضال
اسم الله عليك ياللى الوجع كادك حرمك نومك على جنابك
اسم الله عليك ياللى الوجع هدك حرمك نومك على جنبك
ونرى ايضا من البكائيات ما يصف حال الشاب الذى مات متاثرا بمرضه
ام العريس يا قاعدة حوله وليه على القبلة دا انقطف لونه
ام العريس يا قاعدة جنبه وليه على القبلة دا انقطف ورده
هـ - وكثيرا ما نجد البكائيات رثاء للرجل ما يكون على لسان امه كقولهن :
يا ناس ما شفتوا الزين طالع يا زعقة امه هدت الشارع
يا ناس ما شفتوا الزين يطلع يا زعقة امه هدت المقعد
و – ونجد ايضا ما يقال عند الطفل الصغير
يا عقد لولى فى البيت علقته جار عليا الزمن سبته
يا عقد لولى وانقطع فى الليل تعالوا يا احباب دوروا لى زين
ز – وكما ان للام دورا بارزا فى رثاء ابنها وللزوجة نفس الدور فللاخت ايضا دورها فى ذلك ويبدو ذلك واضحا فى قولهن على لسان اخت ترثى اخاها
لاروح الجوامع واسالك يا خطيب انهو بنات تقعد بلا اخ شقيق
لاروح الجوامع واسال العلما انهو بنات تقعد بلا شققا
ونراها تخاطب اختها فى رثاء اخاها قائلة :-
واه يا خية يا ام الاساور بيض بيعى الاساور واشترى لنا شقيق
ح – وفى رثاء الرجال بوجه عام دون الارتباط بسن او مكانة يقلن ..
يا ابو الحزام وحبكته حبكة دا انت المليح شايلاك للغفلة
يا ابو الحزام وحبكته لوزة دا انت المليح شايلاك للعوزة
ط – وفى رثاء الام لوليدها ووصف ما تتزرع به من صبر يقلن
امك تقول صبرى عليك صبر مسكينة صبر البهيمة تحت سكينة
امك تقول صبرى عليك صبر فلاحة صبر البهيمة تحت دباحة
وفى رثاء الرجال نجد ان النائحات يتحدثن كثيرا عن اهمية الرجال وما لهم من دور فى فرض الحماية على نسائهم وبناتهم ومن اقوالهن ..
اجيبك منين يا سبع تحمينى خايفة وحوش البر تغبينى
اجيبك منين يا سبع تحرسنى خايفة وحوش البر تقرشنى


2 – البكاية بالنسبة للمراة :-

والبكائية بالنسبة للمراة تختلف عن البكائية فى رثاء الرجل لا فى شكلها الشعرى ولا فى غرضها البلاغى بقدر ما تختلف عنها فى انتقاء الالفاظ والدلالات على حد قول القائلين " النساء ادرى بشئون بعضهن " نراهن يحزن على بعضهن لانهن بنات جنس واحد بيد ان مهام الرجال معروفة ومحدودة كالحماية مثلا وتوفير احتياجات الاسرة وتربية الاطفال وهكذا والبكائية عند المراة لها مواقف عدة وتعتمد اساسا على الصفات الجمالية غير صفات القوة والرجولة التى يتصف بها الرجل كقولهن
أ – فى رثاء المراة التى ماتت مريضة :
يا حبيبة تتململى مالك الفرش والديوان ما شالك
اسم الله عليكى يا شارخة الزانة يا بكرة مع الدلال عيانة
ب – فى رثاء المراة التى ماتت ولها ولد :-
البيت بيتك والولد ولدك يا ست النسوان مين طردك
جـ - فى رثاء المراة التى ماتت وليس لها ولد :
عزى المعزى وارتجع لورا ملهاش ولد رايحين نعزى مره
عزى المعزى وارتجع بيميل ملهاش ولد رايحين نعزى مين
د – فى رثاء الفتاة او المراة الشابة :
لاروح للفحار واقول له شعر الصبية من التراب قله
لاروح للفحار واشكى له شعر الصبية من التراب شيله
هـ- وفى رثاء المراة الام التى ماتت وتركت وراءها طفلة صغيرة
بنتك تقول زرعت لك لباب على حيطى لما تفوتى ادخلى بيتى
بنتك تقول زرعت لك لباب على زربى لما تفوتى ادخلى دربى
وكذلك قولهن :
يا حبيبة تغطينى بكم وديل وتخاف عليا من ضلام الليل
و – فى العدودة التى تصف فيها البنت مدى ارتباطها بامها فى الحياة وبعد الموت ومدى ما يكون ما يكون من الام من رد الفعل يقلن
شكيت لامى بعد ما نامت عالت همومى واستنبهت قامت
شكيت لامى بعد ما رقدت عالت همومى واستنبهت قعدت
ز – وفى رثاء الام لبنتها يقلن :
وامك تقول قيدى الفانوس قيدى يا حبيبة دى اخر مواعيدى
امك تقول يا ريتها كانت حريقة نار ولا جريمة اسدها بالمال
ح – وفى وصف ما يكون من بالغ الحنان والحب وحص الام على ابنائها يقلن على لسان البنت رثاء لامها :




امى تغطينى بكمتها وتخاف علاى كيف عوينتها
امى تغطينى بشعر الراس وتخاف علاى من حديت الناس
امى تغطينى بشعر طويل وتخاف علاى م الزمن
3 – بالنسبة لما يقال فى مراسم الجنازة
وتتعدد فى هذه الحالة البكائيات حسب الموقف الا انها تتفق مع بعضها فى حالات موت المراة او الرجل مع تغيير فى بعض الضمائر ليس الا بل وتتفق ايضا فى اقامة المراسم بدءا من الغسل حتى الدفن وفى ذلك قولهن :
أ – فى حالة الغسل : تسمعهن يقلن : سواء كان المتوفى رجلا او امراة او بنت او ابن وكما قلنا مع التغيير فى بعض الضمائر من المذكر الى المؤنث فمثلا قولهن للمراة
اتنين والغاسلة دخلو لها ام طول وافى كيف عملوا لها
اتنين والغاسلة دخلوا معاها ام طول وافى كيف عملوا معاها
وتعاد هذه الابيات فى حالة ما اذا كان الرجل هو المتوفى
ب – عند تشييع الجنازة :
اذا كان الميت ليس له ابن او ليس لها ابن
مال الولية نعشها مايل مالهاش ولد بين الرجال شايل
مال الولية نعشها بيميل مالهاش ولد بين الرجال بيشيل
جـ - ما يقال عند انزال المراة فى القبر :
حاسب عليها يا مدليها ما لهاش ولد اوعاك تعريها
حاسب عليها يا منزلها مالهاش ولد اوعاك تبهدلها
د – وهناك ايضا ما يقال عند القبرللرجل اثناء الدفن ..
باب اللحود مش زى باب البيت كتفك عريض وازاى هنا خشيت
باب اللحود مش زى باب الدار كتفك عريض وازاى هنا تندار
4 – بالنسبة لما يقال فى البكائيات وله رد :-
وهذا النمط من البكائية او العدودة يستلزم طرفين هما النائحة " المعددة " والطرف الثانى هو المعزيات من النساء ذوات الخبرة والدراية فى مثل هذه الامور .. ونراه واضحا فيما يلى :
أ – على لسان الام التى ترثى بنتها
امك تقول يا ريتها كانت حريقة ولا جريمة اسدها بفلوس
ب – وعلى لسان المتوفاة ترد عليها احدى المعزيات :
تعالى يا امى ياللى ساندانى الروح فى صدرى ولا انت عارفانى
وايضا على لسان الام تقول احدى النائحات :
ياللى عملتى مخدتك رملة كنت دفنتى الوالدة قبله
ياللى عملتى مخدتك دى رمال كنت دفنتى الوالدة قدام
جـ - وعلى لسان المتوفاة من احدى النائحات غير الاولى يكون الرد
امى وابوى هاتوا مخدتين وردى ليش ما فاتونى فى الجبل وحدى
امى اوبوى هاتوا مخدتين ولحاف ليش فاتونى فى الجبل وانا اخاف
د – وفى حالة رثاء البنت اخاها نجدهن يقلن :-
يا ابو الحزام وحبكته لوزة داانت المليح شايلاك للعوزة
فترد عليها احداهن على لسان الاخ المتوفى :
لو كنت عارفة انك تعوزينى كنت قفلت الباب وحشتينى
لو كنت عارفة ان الشقيق يتعاز كنت قفلت الباب بالترباس
هـ - وفى حالة ما اذا كان المتوفى ابا تقول النائحة :
والله يا ابوى اقف وانا اقول لك متبطيش يا بوى ما لنا غنى عنك
وترد عليها احداهن على لسان المتوفى :-
شدوا معاى دا الجمل برة ما افوتكمش وراى للذل انا ما ارضى
شدوا معاى دا الجمل واقف ما افوتكمش وراى للذل انا عارف







ثالثا : الحدوة

مقدمة :
سال ابو محمد الحجاج بن يوسف الثقفى " المتوفى سنة 95 هـ" احد اعراب زمانه وهو المساور بن عبدالمالك وشهرته " المساور بن هند "
لم تقول الشعر بعد الكبر ؟ فقال : ارعى به الكلأ واسقى به الماء
- وجاء فى كتب العرب الاوائل ان بعضهم كان يحدوا بهذا " الحداء " الرجز خلال سقى ابله قائلا ..
غنى لها روحى لك الفداء ان غناء الابل الحداء
فترحب خطوته وتمتد عنقه وتدركه اريحيه فى سقيه ومشيه
"تعريف "
والحداء فى اللغة جمع وواحدته " احدية " و " احدوة " والحدو " سوق الابل " والغناء رجل حاد وحداء
- حدا الابل وحدا بها يحدو حدوا او حداء
وتقال غالبا لحث الابل على السير وكانت قديما مقصورة على ذلك . ثم عممت على سائر الانعام المواشى التى تعين الفلاح على قضاء حوائجه وانجاز اعماله بوجه عام هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد استخدمها العامة لتسلية انفسهم والترويح عنها اثناء قيامهم باعمالهم كالفلاح مثلا اذا استخدم " محراثه الخشبى " او ركب " نورجه " تجده بلا حرج قد شرع فى الغناء لاذهاب الملل والتخلص من رتابة العمل وضيق النفس لديه ولدى ماشيته فى ان واحد ونجده كذلك اذا استخدم " الشادوف " لرفع الماء غنى ، واذا شرع فى صنع لوازم زراعته انشد وغنى ، ونجده كذلك اذا فرح غنى واذا حزن غنى ، والحدوة قديما كانت تسمى " احديات الورد " او ما يسمونه " حداء القليب " وهذا اعرابى حداء من عرب الجاهلية ينشط نفسه ويسقى ابله بهذا الحداء
حدواء جاءت من جبال الطور تزجى اراعيل الجهام الخور
وهذا اعرابى اخر يسقى ابله بهذا الحداء ومعه جماعته يرددون الغناء معه
ان ذوات الدل والنجانق يقتلن كل دامق وعاشق
حتى تراه كالسليم الدانق
ويردد اخرون بكل همة ونشاط هذا الحداء
خضراء فيها وذمات بيض اذاتمعت الحوض يستريض
اما تلك الاحدية فكان الرجال يرددونها وهم يصبون الماء فى الحياض
يا ليتها قد لبست وصواصا ونمصت حاجبها تنماصا
حتى يجيئوا عصبا حراصا
اما هذه فكانت لحميد الارقط من عرب الجاهلية يرتخرها وهو يسقى ابله
ماذا ترجين من الاريط حزنبل ياتيك بالبطيط
ليس بذى حرم ولا سفيط
وهذا يخاطب احدى النساء قائلا لها : تلك الاحدية وكانت تسمى " زرعة "
يفديك يا زرعة ابى وخالى وقد مر يومان وهذاالثالى
وانت بالهجران لا تبالى
وهذا الراجز وهو يغنى قائلا :
قالت لنا ودمعها تؤام كالدر اذا اسلمه النظام
على الذين ارتحلوا السلام


الحدوة حديثا :-
-------
اتذكر ان جدى رحمه الله كان دائما يردد الاحدوة اثناء ممارسته اى عمل وكانت نفسى تطيب لسماع ما يقول ولقد حزنت كل الحزن عندما انصرف عن قول الحداء اثر فقدانه احد ابنائه فى حرب يونية 1976 . وعلى على قول واحدة فقط ودائما ما كان يرددها لدرجة انها لا زالت عالقة بذهنى حتى هذه اللحظة ولا زال صداها يطن فى اذنى حتى بعد وفاة الجد الكليم المكلوم حزنا على لده :
كنتوا تلاتة وفين تالتكم وش القمر ايش غيبه عنكم
والحدوة حديثا صارت نمطا من انماط الشعر عند العامة وتخضع بشكل واضح للنمط الكلاسيكى المسمى " بالمزدوجات " حيث ملاحظة الاعاريض والقوافى فى شطرى البيت الواحد متشابهة تماما ، ومن اهم خصائصها الادبية التى لا تخفى على قارئها او سامعها ان البيت فيها يعد بمثابة القصيدة المستقلة مكتملة الجوانب ، كما يعبر فى ذاته عن موضوع مستقل بذاته غالبا ما يشكل ترابط وثيقا بين موضوعات الحدوة وربما كان مختلفا تماما وقليلا ما يكون مختلفا وفى هذه الحالة يفقد البيت العلاقة التى تربط بينه وبين سابقه من الابيات او اللاحق منها من حيث السياق وترابط المعنى والجوهر ، فضلا عن اكساب الحدوة قوة التعبير عن الدحث او الموقف ، او الوجد والنزوع
الحمد لله صبح قلبى مطمنى
وارتاحت انا من فلان وارتاح فلان منى
يا فقر من كانت علته مرته
جبتلها توب من نط الحيطان هرته
أسألها على العيش تقول الفيران كلته
إن ضربتها يقولوا الراجل ضرب مرته
وإن سكتّ يقولوا دا أصله حمار واشترته

فلو تاملنا هذه الأبيات التامل الدقيق لسوف نلاحظ دقة الوزن بينهما على الرغم من زيادة الشطر الثانى عن الشطر الاول فى كلا البيتين وكذلك اشتمال الشطر الاول على اجمال المعنى والتفصيل فى الشطر الثانى ، كما يبدو واضحا علاقة العلة والمعلول بين الجمل فى الشطرين وهذه السمة نجدها غالبة على الفئة الغالبة من " الحدوة "
ففى البيت الاول نلاحظ ان المبدع قد استغل حدوته بان حمد ربه وياتى ذلك غالبا فى غالبية اشكال الادب الشعبى من قبيل التبرك من ناحية ومن ناحية اخرى اثارة السامع وجذب انتباهه لان اطمئنان قلبه شئ يستوجب الحمد والشكر لله على ان من عليه بذلك كما ان ما يكمن داخله من مشاعر كانت تقلقه وتخلص منها يرجع الى انه سبب فى اطمئنان قلبه ثم فى البيت الثانى ينتقل الشاعر الى موضوع اخر ويلاحظ فيه ايضا علاقة العلة والمعلول والاجمال والتفصيل .. اذا ما امعنا النظر فى ذلك .
والحدوة فى عصرنا الحاضر قد اتخذت شكلا مميزا كما قلنا سابقا وكانت غالبا ما يستهلها الحادى بقوله " يالوبالى" وتعنى بالفصحى " هيا يا ابلى " ومضمونها ياتى من نطقها وهو حث الابل على السير وممارسة العمل وقد عممت الكلمة ودرج استعمالها لعموم البهائم التى تستخدم فى الاعمال الزراعية كالحرث بالمحراث اليدوى ، وحمل الاثقال ، ودريس الجرون بالنورج وهكذا ،
ومكا ان هناك من الحدوة ما يشبه المزدوجات هنا ايضا ما هو مثلث اذ يتكون البيت من ثلاث شطرات تنتهى جميعا بقافية واحدة ، تتحدث عن موضوع واحد وغالبا ما يكون هذا الموضوع متعلقا اكثر ما يكون بالوجد


حبيبى جاله السفر فات المعاد مجناش
وبعت لنا مراسيل يقول لنا مجناش
التمر طاب ع الشجر وادى الحبيب مجناش
وفى اخرى :
سؤالى للعين حبايبك فين وحشونى
ليهم مدة وسنين امانة غايبين وحشونى
والقلب قال اه غيابهم طال وحشونى
وقد تحدث الحادى فى الاغراض الشعرية كما تحدث عن الوجد والعشق ففى الحسرة والندم قال :
صاحبت صاحب قلت فى يوم يشيل حملى
قام جاب حمله التقيل وحطه على حملى
كداب ياللى تقول غيرى يشيل حملى
وفى النصيحة قال :
يا دنية الشوم راحوا فين حبايبكى
خليتى الصغر والكبر حتى الحبا يبكى
واللى ضحك يوم على الدوام يبكى

وقالوا عن الصاحب ومدى صدقه :
صاحبت صاحب تريه وسط المجال كداب
مشيت انا معاه وقلبى من الهموم كالداب
لما سالت عليه قالوا صاحبك كداب
وقالوا عن نازلات الزمان ومصائب الدهر :
ليه يا زمانى ايه اللى عايزه منى
هديت قواى وخدت الجمال منى
اياك علاى دين جاى تخلصه منى
وقد شاعت لاحدوة شيوعا واسع النطاق فى زمن كان فيه الفلاح والزارع يعمل بيده او مستعينا بماشيته اما الان وقد انصرمت تلك العهود واصبح الفلاح مستخدما للالة والتكنولوجيا الحديثة فلا حاجة به الى استخدام مثل ذلك القول فالالة لا تسمع الحداء ولا تسمع من بجانبها غير الضجيج وعليه فقد اوشكت الحدوة واوشك فاعلوها على الانقراض اللهم الذين يحفظونها بغرض التسلى والنسيان
4– النميم وجر النميم
1 – النميم
ـــــــــــــــ وهو " الوشاية " وجمعها " نمائم " مشتقة من " نم " الحديث نما : ظهر وبين الناس وعليهم : حرش واغرى : فهو " نام " ونمام – هذا معناه لغويا اما اصطلاحيا فقد لتمييز بناء من الابنية الشعرية وبالاحرى – عرض من الاعراض البلاغية لنوع من المربعات وفيه ينم قائله عما يكمن داخله من مشاعر ويعبر من خلاله عما يجول فى نفسه من احاسيس لا توصف فى الغالب الا حسب موقف معين او فى حالة مزاجية بعينها او عند نزوع نفسى يضطر معه الشاعر " القوال " ان يطلق للسانه لاعنان كى يعبر عنه بمنتهى الحرية فانه فى ذلك ومن خلاله ينم عن ذلك النزوع ويشى به ... كقولهم ..
لا كنت اشيل ولا اشلى وجور الاواهر كوانى
عايزلى طار اندب واشلى على اللى جرالى فى زمانى



والنميم نمط شعرى على غرار المربع المعروف الا انه يعد غرضا بلاغيا اكثر منه نمطا شعريا مزيدا يخالف فيه ناظمه ما كان من امر الانماط الشعرية الاخرى وغالبا ما يتسم النميم باحتوائه عل الفاظ تدل معانيها على الشكوى والتاسى واحيانا الحسرة والندم ويعد هذا النمط الشعرى هو الاول بين انماط الشعر الاخرى فهو كثيرا ما يكون ارتجالا يعتمد على المناسبة فى وقتها – اى فى انية الموقف لا قبله ولا بعده لذا فهو يعد حالا من احوال الشاعر " القوال " التى لا تنطبق فى اللحظة نفسها على غيره سواء من الشعراء او من المتلقين كما انها لا تختص الا بحادث وقتى واحد حتى وان زال سببه بين لحظة واخرى
انا اللى كبرت من دون جيلى وكلمتى فى المجالس بطلوها
انده على المرة لم تجبلى وحتى عيالها تبعوها
وفى الشكوى فغالبا ما تنال نصيب الاسد فى اقوالهم .

..
يا دنيا مالك بعوا راحوا فين اللى سابوكى
راحوا فين ادم وحوا وسكنت ترابها الملوكى
لكنها لا تخلو من الوقتية بمعنى البدء والنهاية فى ان واحد كباقى الاغراض
على بيتنا ينعق الطير وشهد علاى عمى وخالى
وعروسة البدن طارت طير صبحت لى الجسم خالى
وهنا يقصد شاعرنا "بعروسة البدن " الروح ويصف لحظة خروجها من الجسم
1 – النميم وابن عروس :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قد يظن البعض فى وقت ما ان النميم امتداد لحكم بن عروس التى ناقشوها او اصدروا فى بعضها احكاما كقوله :
ما حد خالى من الهم حتى قلوع المراكب
اياك تقول للندل يا عم لو كان على السرج راكب
وعلى المنوال نفسه قال :
ما حد خالى من الهم حتى الزعف فى جريده
اوعاك تقول للندل يا عم لو كان روحك فى ايده
وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع مهما كان بين ايدينا من اقوال ان ذلك المزعوم " ابن عروس" هو المالك الحقيقى لتلك المربعات ونرجع ذلك الى :
1 – ما اورده الأستاذ عبد الرحمن الابنودى استنادا الى المربع التالى ..
ياللى تعيط قدام الباب عيط وكون فاهم
ما يفسد بين الاحباب غير النسا والدراهم
وكذلك ما عقب به على ذلك قائلا (1) :"لكن ما ادهشنى هو اللغة لقد خرج الرجل من لهجته التونسية لينطق بالصعيدية المصرية . ان " العياط " هو " البكاء " بلهجة اهل القاهرة والوجه البحرى اما بلهجات الصعيد فهى تعنى "النداء" كما استعملها الرجل تماما
2 – قلة ما وقع تحت ايدينا من حكم بن عروس .. اللهم الا ما ادرجته بعض الكتب او المراجع كما فى المرجع المبين اسفل الصفحة فقد استقينا تلك الفقرة من نفس المرجع
طبيب الجرايح قوم الحق وهات لى الدوا اللى يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحق ولاجل الضرورة توافق
هذا اذا كان ذلك المربع ملكا حقيقيا لابن عروس
3 – عجزنا عن اثبات صحة ما ورد كترجمة شخصية لابن عروس : هذا فضلا عن الشك فى كون وتواجد ابن عروس تواجدا فعليا على ساحة الادب فى وقتنا هذا او فى وقت سابق كالذى يزعم اخرون انه عاش فى تلك الحقبة من الزمن . اذ ربما كان المربع نفسه سابقا على الزمن الذى تواجد فيه ابن عروس وربما سبقه فى ذلك شعراء اخرون من شعراء عصره او العصور السابقة له لكنه تميز عليهم وشاع صيته وبما اكتسبه من شهرة واسعة خاصة وانه تحلى فى اواخر عمره " حسب بعض الروايات " بحلية الواعظ المرشد وسلك سلوك الفلاسفة فى كثير من امثاله بعد عمر قضاه فى قطع الطرق وخطف النساء وهتك اعراضهن
4 – تخيرنا زمن بن عروس : وقد تخيرنا زمن بن عروس فى موضوعنا هذا بهدف الربط بين فترتين من الزمن هما " ما قبل بن عروس " و " ما بعد بن عروس " على اعتبار ان فترة حياته تعد محورا رئيسيا فى الفصل بين هاتين الفترتين ، ومما لا شك فيه ان النميم اتاح الفرصة المرجوة لناظمه وساعده على ان يشق لنفسه طرقا متميزا او سلك به مسلكا تربع به على عرش قلوب العوام والخواص من قارئيه ومستمعيه كما ان المنظوم من ذلك البناء الشعرى نال من المتلقين له المكانة الرفيعة والمنزلة السامية خاصة هؤلاء الذين يسمعونه سماعا ولا يقراونه وتقول قارئيه لانه يكون فى ابهى صوره عندما يقال فيكون بالتالى اكثر متعة حين يسمع ، اما اذا كتب فانه يفقد تماما اجمل ما فيه من لااستحسان علاوة على ما يناله الشاعر من صور الاعجاب وسمات القبول الفاظا ومعان ، اجمالا وتفصيلا ،
صلاة النبى بتزيدنى شوق وتمنع البلا والمراضى
قال له الاله .. اندفن فوق قال : امتى فى الاراضى
والنميم فى حقيقته لم ينل حظا وافرا من الدراسة والتقصى سواء كان فى ماضى او حاضر ولكنه رغم ذلك لا زال يحتل المكانة العليا فى القلوب
القعدة حلوة بلا شقاق والقلب ما يسيع الا واحد
حتى القناية بلا شقاق متسقيش حوض واحد
2– جر النميم
-------------
ـ هو فى اللغة كلمة من جزاين "جر" وتعنى " سحب " و " النميم " وتعنى الوشاية او النميمة ولكن ذلك التعريف قد لا يجد فى مضمونه صدى او قبولا من العامة لانه قد يكون غير واضح عند الجماعة الشعبية او على الاقل عند البعض منهم نظرا لفقاد العلاقة بين تعريفه فى الفصحى ومفهومه فى العامية حتى وان دل ذلك على تصور لمفاهيم معاكسة للمعنيين فى الفصحى او العامية على حد سواء مع ان الاخر ابسط من كل ذلك التعقيد وفى غنى عن كل هذه التصورات . فهى فى الفصحى او لدى الجماعات الشعبية تدل اذا ما دلت على الاستثارة والتحفيز من طرف لاخر للتحدث عن ثالث غائب ، او بين طرف واخر ليخرج الاول ما يدور فى صدره وينم عن نفسه ما تحفظ من اسرار وقد يعلق بذهن القارئ لاول وهلة محاولة استكشاف لاعلاقة بين " النميم " وما نحن بصدده الان " جر النميم " مع ان العلاقة بينهما من السها جدا التعرف على ما بينهما من اختلاف فالاول ياتى : بدون مؤثر خارجى اللهم الا الشعور الداخلى للمتحدث " القوال " تجته موقف معين او حدث عارض كالذى آوى إلى ظل شجرة فمرت عليه جنازة وهو لم يعرف أنها جنازة صاحبه الذى كان ينوى زيارته لما علم أنه مريض ولما بعدت عنه الجنازة سأل عن صابه فأخبروه أنه "فلان" الذى كان فى طريقه لزيارته فأنشد حينها نميما قال فيه : -
يا شجرة كام ضلك عجبنى وليكى ضل هاوى
فايت حــــبيبى عجـــــــبنى بلاوى يا دنيا بلاوى
اما الثانى فلابد له من محفز او مؤثر خارجى يحفز الشاعر على القول او نظم اشعاره او الافصاح عما بداخله وغالبا ما يكون المحفز هو الاخر قولا يراد من ورائه اثارة الطرف الاخر لينطلق فى القول مثل




الذى سب صاحبه ليثير حافظته قائلا :
الدور : ابو رحاب اللى صايبه الكبر وهو من الرجال الاسودة
ليلته كانت تشبه الحبر وكانت ليلته عتمة سودة
الغطاء ويكون من الطرف الاخر ...
ابو رحاب اللى صايبه الكبر وهو من الرجال الاسودة
ان تاه الدهب يوجد التبر وارث الكرم عن جدوده
2 – الموطن الاصلى للنميم وجر النميم :-
قد لا يتورع اى دارس وخاصة فى عهدنا الميمون ، والملئ بالمتناقضات قولا وعملا ان ينسب ما شاء الى من شاء ومتى شاء دون النظر الى ما وراء ذلك من مشكلات دون التفكير فيما قد يترتب على ذلك من اضافات خاطئة او نصف صحيحة على اقل تقدير يكون من شانها ان تجعل من ادبنا الشعبى قديمه وحديثه بعرضه وطوله مادة للسخرية وقد يلصق ذلك باذهان بعض المهتمين بالامر فيصبح الخطا موروثا شعبيا بدلا من الادب نفسه ويصير الخطا حقيقة ثابتة فرضت على واقع الباحثين والمفكرين وخاصة المهتمين والمهمومين بهذا الادب من قريب او بعيد ثم يصعب التخلص منه مهما كانت القوة مع مراعاة ان لاتحرى وتقصى الحقائق قد يتكلف الكثير والكثير من الجهد والمال ، ومن هذا المنطلق يمكننا القول بان الصعيد عموما والشطر الجنوبى لمحافظة قنا بصفة خاصة وبالتحديد مراكز فقط ونقادة واسنا والقرى التابعة لكل منهم مكونين معا شكل المثلث الذى قاعدته جهة الشمال وراسه جهة الجنوب والذى يعد باى صورة من الصور هو المالك الحقيقى للنميم ولاذى يطلقون عليه فى هذه الاماكن اسم " دور " وكانت لديهم "للدور " هذا اغراض عديدة ومتعددة وكان ناظمو هذا النميم اقوى شعراء العصر وابلغهم وافصحهم بكل المقاييس وبلا منازع وربما كانوا اشجعهم فى نظم ما ارادوا نظمه وكذلك نظم الردود لمن يتطلب الامر الرد عليه دون خوف او رهبة وبناء على ذلك سوف نختار من كل مركز من هذه المراكز شاعرا او اكثر كشاهد على صدق قولنا ومنهم :-
اولا : من القدامى :
ــــــــــــــــــــــــــ ومن قدماء الشعراء الذين تعرفنا عليهم ووضعنا ايدينا على بعض ما نظموا بعد جهد جهيد من البحث والتحرى والدراسة من يمكننا ان نذكرهم ونسوق مع ذكرهم بعض مواقفهم الحياتية ومبارزاتهم الكلامية الجادة والهزلية مدعمة بما قالوه مع ايراد الشئ القليل مما سوف نوفق باذن الله تعالى الى شرحه وتفصيله ، منهم ...
1 – على النابى
ـــــــــــــــــــــ موطنه الاصلى قرية " القطعة " – مركز فقط – محافظة قنا – قيل انه توفى فى العقد الثانى من القرن العشرين وقيل ايضا انه كان ابلغ معاصريه وافصحهم وكانت له مع هؤلاء مواقف منها ...
1 ) رسالة الى زوط :- كما نعلم جميعا ان مركز فقط يقع الى الجهة الشرقية لنهر النيل وكان اعتزاز الشاعر بموطنه وغيرته عليه جزءا لا يتجزأ من كرامته فقد ارسل رحمة الله عليه – نميما او مربعا الى حسين زوط هذا نصه :
ناوينا على الغرب نهدوه وعلى الغرب ناوى المناوى
بنلعب الشيش مع الدوه فى سيدى عبدالرحيم القناوى
ولان حسين زوط كان من شعراء مركز نقادة والذى يقع الى الغرب من نهر النيل ولانه ايضا كان مشهودا له بالبراعة فى نظم النميم كان لابد ان يرد عليه وبالفعلارسل اليه ردا هذا نصه :-





الغرب قاسى ما يتهد وفيه رجال بالكفاية
خلينا المطاعنة والمراشدة حجر حد يلمكم يا هفاية
2) من النابى وزوط الى عمدة العريضة : والعريضة هى الاسم القديم لمركز ارمنت حاليا وربما كانت احدى قراه اغلب الظن هى ارمنت الحيط – اما عمدتها فكان لا يقل عن هذا او ذاك براعة فى نظم المربعات وهذا ما دفع كلا من " على النابى وحسين زوط " متفقين معا على ارسال خطاب هزلى الى عمدة العريضة وهما متاكان فى حقيقة الامر من الرد كان هذا نصه .
وكام يا عمدة من التخن ورمنت وعليت على الناس منابك
عايزين جوز كلاب من ارمنت شعرهم يشابه شنابك
وكان لابد للرد الشعر اثباتا للذات وردا للاعتبار والكرامة المجروحة فكتب عمدة العريضة اليه بعد ان خمن ان هذا الخطاب لم يكن الا من على النابى كان هذا نصه :
يا ابو الركاب على الخيل بيتسف ملعون ابوك وابو اللى جابك
حتى الكلاب بطلت تخلف من يوم قراية جوابك
3) مع زوجته وهو فى فراش الموت . لم يكن شاعرنا -رحمه الله – قد اهمل الشعر او نظمه حتى تقدم به العمر لا بل وهو فى فراش الموت وهذا هو يخاطب نفسه ويعلن صراحة الامه و بمعنى اخر ينم عن قرب الاجل فيقول :
على بيتنا ينعق الطير وشهد علاى عمى وخالى
وعروسة البدن طارت طير صبحت لى الجسم خالى
ثم عاد وخاطب زوجته التى ربما تعلمت النظم منه او هى كانت موهوبة بالسليقة اظهرت معها تلك الملكة فوجه اليها سؤاله الذى كان مغزاه ايضا انه ينعى فيه نفسه قائلا :-
ان كان رقادى تعبكى والهم كاين وسايد
هاتى حبايبك تعبكى على طريح الوسايد
وكانه كان واثقا تمام الثقة من ردها عليه والذى قالت فيه
والله رقادك ما تعبنى يا ابو العمامة النضيفة
وانا باهد وابنى وولد ما هوش خليفة
2 – حسين زوط :-
ــــــــــــــــــــــــــــ وقد سبق ان قلنا ان هذا الشاعر الفذ من قرية اسمنت – مركز نقادة – قنا وكذلك قد سبق الحديث عن موهبته وعن شاعريته المشهود بها ولها ولاتى ظهرت فى نزاله القولى امام " على النابى " والذى كان له ايضا كثير من المواقف مع اقرانه من شعراء عصره ومنها :
1 – مع على النابى : سبق ان تحدثنا عن ذلك انفا وان كان هناك جديد فلن ياتى فى نظرنا بفائدة او يعود علينا بجدوى ..
2 – مع اخت عمدة العريضة :- قد قابلها صدفة ولم يكن يعرف انها اخت الرجل الذى ينوى زيارته حين وقف وسالها عن بيت العمدة فطلبت الانتظار حتى تملا اناءها من البئر وعند البئر حاول ان يستفزها فقال متغزلا فيها .. ولم يكن يعرف انها ضعيفة النظر كما لم يكن يعرف انها شاعرة موهوبة الا حين ردت لما حاول اثارتها بقوله ..
سلامى عليكم وسلامين يا امات الخدود الحمارى
من فضلكم املوا لى دلوين اشرب واسقى حمارى
وعندها فاجاته بردها اللاذع عليه قائلة :
بلاوى علينا ومقادير ابتلينا بالرجال البواجى
يا اخى نزل الجحش فى البير خليه يشرب وياجى
ولانه كما قلنا انه كان لماحا فقد اكتشف انها ضعيفة البصر فرد عليها قائلا :
اهل الكتاب لله عارفين وحياة المشرف نبينا
خلقك وش بلا عنين عشان عارفك لئيمة
3 – مع عمدة العريضة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ وعندما وصل الى منزل العمدة اكتشف ان المراة التى التقى بها عند البئر هى اخت العمدة والمدهش انه رغم كل ذلك ان عمدة العريضة لم يكن قد راى " حسين زوط " من قبل والعكس طبعا لم يكن حسين زوط قد راى العمدة او تعرف عليه مما دعى " حسين زوط " حين راى العمدة ان يقول له ما هو ات حين ساله من انت ؟
انا فتى فى الزان مرماح وركز صوابك عليا
يا ابن الستين فلاح ابوك تركى ترطن عليا
فاستشاط العمدة غيظا فرد عليه قائلا :
وانا فتى فى الزان مملوك وركز صوابك عليا
يا ابن الستين مهلوك ابوك تركى ترطن عليا
وبعد التعارف وتناول اطراف الحديث والسمر حتى حان وقت الغداء وكان يجب على المضيف ان يكرم ضيفه لكن ما حدث هو العكس وما كان من الضيف الا ان سمع الحوار الذى دار بين العمدة وزوجته وبين العمدة وامه حول الاسباب التى منعتهن من اعداد الطعام للضيف كما انه قد راى ما كان من العمدة من ابداء اعتذارات كان الرد عليها
ما قاله حسين للعمدة :-
والله يا مطاوع ما شيلتنى الا همك وقلة نسبك فى العــــرايق
لا قدرات تضرب الاهــــــرة امك ولا تقول لحريمك طلايق
وما كان من العمدة الا ان يرد عليه قائلا :-
يا دنيا كام غلبك تعبنى والمخ بالفكر شـــارد
خلى البال يقوللى تعبنى وبعينى شايف الهدايد
كان امر الغداء قد قضى وبعده واثناء تناول الشاى كان ابداء اسباب الزيارة وهى عرض من حسين زوط على العمدة يطلب فيه الزواج من اخته وقنا سابقا انه لم يكن قد راها سابقا ورغم ما بها من عيوب الا ان رد العمدة كان :
جدنا عمره ما عطا حد وتسمى تقاليد العرايب
تموتى يا ضية الخد لما ياخدوكى الغرايب
وكان لرد العمدة عليه وقع السهم القاتل فاغتاظ مما قاله له وكذلك من سخافة رد العمدة الذى دفع زوط الى تعمد اهانته قائلا ..
جدكم عمره ما عطا حد وتسمى تقاليد العرايب
وبنتكم لما تعشق حد تاخده وتروح الخرايب
وقام بعدها منصرفا من منزل العمدة عائدا الى بلده ، وبعد عودته التقى بالشيخ على النابى وقص عليه ما حدث وقررا سويا ان يرسلا اليه بما سلف ذكره فى الحديث عن الشيخ على النابى .
3 – محمود المغنى :
ــــــــــــــــــــــــــــ شاعر سافر اجاد القول بالنميم ولا يقل عن سابقيه براعة وحسن ابداع ولد وعاش فى قرية الخطارة – مركز نقادة – قنا . كان معاصرا لكل من حسين زوط ،وعلى النابى وقيل انه من افضل شعراء النميم ورغم ذلك لم نجد من ابداعه غير واقعة واحدة ونميم واحد وغيره لم نجد من المصادر من يحدثنا عنه او يمدنا بشئ من اقواله اللهم الا حادثته مع الطوخى الذى مر ذات يوم على قطعة من الارض كانت مزروعة بالبصل وكان انتاجها جيد الانبات غزير الطلعة فانشد قائلا :-
وكام يا خطارة بصلك مفرع محلاه بالجبنة القديمة
كل اللى فيكى مكرع ويستاهل ضرب القديمة
ولسوء حظه ان الذى سمعه اخبر محمودا بما قال ذلك الرجل فطلب المغنى من الرجل ان ينتظر هذا الطوخى فى صباح اليوم التالى ويقول له :
غريمنتى بتخب فى الجوخ زى جحش العطارة
اتاريك فلاح من طوخ ولا تليق فى النظارة
فتميز الطوخى غضبا وكاد ان ينفجر من شدة الاهانة التى وجهت اليه وكان لابد من رد الاعتبار للكرامة التى جرحت واهينت وظل يسال عمن يلقنه ولو حرفا يرد به عل هذا الرجل الذى اهانه حتى وجد من يقوم بذلك الدور وهو الشيخ على النابى فاملاه :
حقيقى فلاح ومن طوخ وماشى تحت ضل سيفى
اضرب العاصى لما يدوخ واحكم وارسم بكيفى
وعندما سمع محمود المغنى ذلك قال للطوخى : انها ليست منك بكم اشتريتها ؟ قال الطوخى : بفدانين وساقية فقال له : من النابى اليس كذلك ؟ قال نعم . وحسبنا ان نعترف بشاعرية هذا الرجل رحمه الله
4 – محمد عطيتو :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــ فنان اخر من ابناء الخطارة عاش عمره رجلا فقيرا وتوفى اخر سبعينيات القرن الماضى وهو طاعن فى السن فقد وافته المنية بعد عمر ناهز التسعين كان ناقدا لاذعا مرير اللهجة وقد عاصرته فى اخر عمره وسمعت منه الكثير واذكر له ما قاله فى رجل كان غريب الهيئة وعندما راه وعرفه ردد قائلا بعد ان مر عليه الرجل ولم يلق عليه التحية :-
اتاريك يا فقر حلاق بتحلق من تحت الطقية
عمرى ما ريت حلاق يطلع من بدنه صبية
رحمهم الله جميعا فقد اثروا الحياة الادبية الشعبية بجميل ابداعاتهم
وقد لا يصدق البعض ما أوردنا سالفاً وربما انتابه فى ذلك الشك غير ان ما روى فى مصادر متعددة عن حياة ابن عروس بانه ولد فى قرية المزاته بمركز قوص وقضى فيها عمره إبان القرنين الثامن والتاسع عشر قد يؤكد ما نقول ولكننا رغم ذلك لم نكن أبداً فى حاجة إلى توثيق وذلك لأن المصادر التى استقينا منها مادة الدراسة أهل لكل ثقة وأولى بكل تصديق....
وأحلف على العنزة ما تجيب صوف لو وكلوها حشيش البدارى
قليل الأصل ينسى المعروف لو حلفوه على البخارى
أما إنتقال هذا النمط الشعرى على محافظات أخرى كالبحر الأحمر كما اورد استاذنا عبد الستا سليم فى بحث بشأن ذلك على لسان الباحث / جمال محمد وهبى قوله " إن النميم ينتشر فى محافظات الجنوب بصعيد مصر ونجاحه فى أسوان والبحر الأحمر وهو فن شعبى يقوم على تشكيله فنياً مبدعون ينتمون إلى مجموعة القبائل العربية التى قدمت من الجزيرة العربية غبان الفتح الإسلامى لمصر " هذا نقل بالنص من قول الزميل الفاضل ولكنى أساله : من أين أتى بهذه الخصوصية؟ مع أن :
1) أن محافظة البحر الأحمر لم تكن فى ذلك الوقت قد أهلت بالسكان إلا المقيمين حول ميناء عيذاب فى ذلك الوقت
2) أن العرب النازحين فى ذلك الوقت من الجزيرة العربية كانوا يقيمون بمدينة قوص حيث كانت هى المركز التجارى الوحيد فى جنوب مصر واستمر حتى نهاية الدولة الفاطمية
3) كان الأجدر بالزميا الباحث ان يقول أن النميم قد إنتقل إلى البحر الأحمر عبر الرحلات التى قام بها سكان قنا وأسوان إلى هناك بغرض العمل والتجارة
4) أن السرد التاريخى لنشأة المواليا منذ قيام الدولة العباسية فى بلاد الشرق وخاصة بغداد وواسط وما أوردناه من دلائل وتوثيق لقولنا لهما أكبر شاهدين على صدق قولنا....
أبو سرج يلمع كالبرق وكلامك ع الخلق ماشى
المقت جاها ريح من الشرق لوى عرشها مجناشى
المحدثون من المربعات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ لم تكن الأماكن ولا الأزمنه عقبة فى تصدى المربعات بشتى أشكالها وألوانها لما قد يعترض طريق انتشارها وشيوعها عبر الجيال من جيل إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن شكل إلى آخر ومن ملتقى إلى آخر وكذلك من شاعر إلى آخر وكما يقولون " لكل زمان دولة ورجال" فإن الرجال قد يكونوا ساسة و رجال دين أو اقتصاديين أو اجتماعيين او فنانين وشراء وأدباء إلى آخر كل هذه المهن والأعمال التى يعطى من خلالها كل قادر على العطاء ويمنح كل راغب فى منح وإنى لأرى أن أكثر القادرين على العطاء هم .. الذين كانت الكلمة مهمتهم وتوصيلها إلى المتلقين بشرف وأمانة هو غايتهم وقصدهم الأول والأخير وكما أنى أرى ذلك فإني أرى أيضاً أن اكثر المهتمين بتوصيل الكلمة هم الشعراء ولكل شعراء هذا الجيل يعانون جم المعناة رغم كثرة وسائل الإعلام والقنوات الشرعية وغير الشرعية التى يمكن من خلالها توصيل كلمتهم إلا انهم ينحتون فى الصخر فى محاولات انتحارية لإثبات أنهم الأجدر ولأقدر على الخلق والإبداع لا كما كان القدماء ولكن بشكل أروع وأحدث مما ترك القدماء بمعنى أن القدماء كانوا أيضاً يعانون نفس المعاناة حتى يتمكنوا من توصيل كلمتهم إلى الجماعة الشعبية سواء كا ن ذلك عن طريق السامر أو الشوارد أو التجمعات الشعبية فإن المحدثين أيضاً يعانون نفس المعاناة غير أن الحكم فى أيام القدماء من الشعراء كان للجماعة الشعبية التى كانت هى الفيصل بين الجيد والردئ من الأقوال أما هذه الأيام فإن الحكم للوساطة والمحسوبية التى لا تفرق بين الجيد والردئ من الأعمال الأدبية وكل على حسب ما لديه من وساطة تتيح له فرص الانتشار والتواجد على الساحة الأدبية ، وإننا كما عرضنا الشخصيات وأعمال من الشعراء القدامى فإننا نعرض أيضاً للمحدثين من الشعراء وخاصة الذين تميزوا فى صنع واويات حازت على ألباب المتلقين فنالوا بذلك كل الإجلال والتقدير ومنهم على سبيل المثال لا الحصر .
1) عبد الستار سليم
ــــــــــــــــــــــــــــــ من أبناء مركز نجع حمادى- قنا ، ومن رجال التربية والتعليم الأبرار علاوة على كونه من أهم شعراء الواويات فى محافظة قنا . وله فى ذلك باع طويل فى الإبداع والتطوير والتحديث حيث أنتج عدة كتب ودراسات أدبية ونقدية فى مجالات الأدب الشعبى خاصة وفى الشعر بشكل عام ترأس العديد والعديد من المؤتمرات الأدبية فى محافظة قنا وبين ما اخترناه من اعماله التالى من المربعات والواوات منجده يقول فى الصاحب :-
صاحبى اللى صاحبته مسافات سافر وطول غيابه
كام صبح عدى ومسافات لا جا ولا جا جوابه

صاحبى اللى داينــــته كذا دين لما داينى اشتـــــــكانى
ونصب لى فى السوق مزادين وعملنى قصة وحكانى
وفى بعض النصايح يقول :-
خلى تكالك علــــى الحى هو اللى بالعلم قدر
لا تقوللى عقرب ولا حى ما يفيدك إلا القدر

ما يوحسك كل من غاب ولا يطول الليل عشانه
وزول نبــوته منغـــــاب لكن فى يده نشانه
وفى الغزل يقول :-
عينى رأت سرب غزلان فيهم غزالة شريدة
القلـــب لما اتغـــــــز لان شاور وقاللى شريدة
وفى الحزن قال:-
لا تقوللى جرح ومجاريح دا الحظ ما يوم وتانى
قلعى فردته ما جــــا ريح عاودت على البر تانى
وفى الصبر يقول :-
اصبر على الهم يا قلب كام ناس ربك بلاها
دنيا وزمانها قلب قــلب ولـــــى وأتانا بلاها
ومن عبد الستار سليم إلى شاعر آخر له فىذلك المجال الكثير من الأعمال الجيدة والتى تخيرنا منها أيضاً بعضها وهو :-
2- رفعت حفنى
ـــــــــــــــــــــــ من أصول قنائية عريقة ولد فى مدينة البلينا محافظة سوهاج ورحل عنها فى صحبة الأسرة عائداً إلى موطنه الأصلى قنا بعد أسبوع من ولادته وبهذا تكون نشأته وتعليمه كان فى مدينة قنا وهو يعمل الآن موظفاً بالشئون الإجتماعية ، ومن أعماله الأدبية الكثيرة تخيرنا له المربعات التالية:-
يســــــــــــم الله أبد القول خلقــــنى وأتم تكــــــوينى
أمرنى بالحسنى قال : قول يا أما جنان أو نار تكوينى

أتنى كلامى بالصلا على النبى وصـــــــاحبه
ما ف يوم قطع الصلا والوصل يا ما صاح به

وصلت نصايح نبينا مــــــن البداية وعـــمات
كسرة تحرك نبينا ولا حوجه لعمام وعمات

طول عمرى ولد جد الســــــــر لازم أصونه
وارثها من الأب والجد صاحبى لا يمكن أخونه

اللى يعادينى ما أعاديه وازعل لو حد عابه
أفرد له قلعى وأعديه وأهديه وامسح لعابه

ما أكرهش كد المحايلين الصدق ليهم ما يجوز
والقلب لو كان حجر يلين على يتامى وحرمه بلا جوز
ومن رفعت حنفى إلى واحد من أبناء الجنوب الذين أبدعوا فى ذلك كل الإبداع مع الإحتفاظ بما لديهم موروث نجد شاعرنا قد تمرد على اللفظ المعتاد والجلة المبتذلة وجاء مكانهابأخرى رقيقة جميلة ورغم ما فيها من بساطة إلا أنها تفردت بمكانة لا يرقى إليها الكثير وهو
3- محمد النوبى
ــــــــــــــــــــــــ من شعراء المربعات فى جنوب قنا المتميزيين ولد ونشأ وتلقى تعليمه فى مدينة الأقصر التى إتوى من مائها ونيلها فأبدع ما أبدع فى أرضها ومن أعماله التى وردت إلينا ما هو آت ففى الهجر قال :-
جمعت هجرك مع الطرح ولا يوم فـــى الدرب بنتى
أنا عاشــــــــق ومعشوق لو نابه فى فى القسمة أنت

جمعت هجرك مع الطرح ولا يوم فى الدرب بنتى
فى المسألة يكمل الطرح لو نابه فى الطرح انت
4- عادل صابر
ــــــــــــــــــــــــ من شعراء العامية فى محافظة قنــــــا – وهو من مواليد قرية الدير الغربى – مركز قنا- له الكثير من الكتب والأعمال الإبداعية والدواوين الشعرية التى أمتع بها القارئ بما فيها من جمال الابداع وحسن الصنعة وقد اخترنا من بين أعماله بعض المربعات لعلها تنال استحسان القارئ
(1) ماشية البــنيه بجــــــرة والخلق منها مراود
والكحلة مجرورة جرة الله يجازى المراود
--------
(2) ع الخـــــد متربع الخال والفكر منى جـــــرايح
أوعى تلوم يا أبو الخال فى العشق ياما جرايح
--------
(3) دنيا بتمكر بلا حـــــدود وشمس طالعه وعسلها
يا ما كلنا جوا البلح دود وشربنا مر فى عسلها

(4)
الندل فى الليل كمــــشله تقلت ذنوبه وطـــــــبوا
لو كان فيه واحد كمشله كان جا فى ليله وطبه
-----------
(5) سوق الخــــــيانة مهاود والحر بيتت قمـــــيصه
لو نخ يوسف وهـــــاود مكانتش قطعت قمــيصه
---------

(6) الخلق عايشة بقرها بالخير عنيها حسودة
دنيا بترفع بقرها وتوطى راس الأسودة

ولعلنا بذلك قد نكون قد وفقنا فيما حاولنا الموازنة فيه بين شعراء الجيلين

********************************
البناء الشعرى للنميم وجر النميم :-
-------------
يعد النميم فى بنائه الشعرى من قبيل المربعات ولكنه نوع خاص من النماذج الشعريى الشعبية المعروفة فى النميم إذ يخالففيه قائله النمط المتفق عليه كلاسيكياً فى المربع فنجده يضرب بعرض الحائط كل ما هو معروف وكأنه أبى إلا أنم يخالفه ليثبت لكل من سولت له نفسه التشكيك فى قدرات الشاعر الشعبى أنه قادر على الإبداع ومخالفة المألوف فى البناء والغرض البلاغى فنجده وحيداً يسخر من زمانه الذى جعل الطبيب المعالج وقتما كان يأمل فيه العلاج مخاطباًإياه فى عتاب مرير
طبيبى عليا تعطرش ومن عنيه كب المدامع
أعمى ينادى على أطرش لا دا شايف ولا دا سامع
وعليه يمكننا أن نقسم النميم إلى الأبنية التى ورد على نمطها فى أقوال المبدعين من قائليه مع التدليل المباشر له بأشعارهم


النموذج الأول
ـــــــــــــــــــــ وتكون فيه شطور المربع الأربعة متحدة فى القافية كالتالى :
ــــــــــــــــــــــــ أ ــــــــــــــــــــــــ أ
ـــــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــ أ مثل قولهم....
عينى رأت طيرسن فى الجبل بارك يبيض ويفقس وهو فى سن الجبل بلرك
وحــــق من أنزل القــــرآن وتبارك متجيب غــــطا الدور لأديك جمل بارك
النموذج الثانى
ـــــــــــــــــــــــ وتكون شطوره الأربعة متحدةً فى الأول والثانى والرابع ومخالفة فى الثالث وكما هو موضح فيما يلى :-
ـــــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــ أ
ـــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــ أ كقولهم
عاشق رأى مبتلى قال له انت رايح فين وقف روى قصته بكوا سوا الإثنين
راحوا القاضى الغرام الاثنين يشكو له بكوا الثلاثة وقالـــوا حبنا راح فين
النموذج الثالث :-
ـــــــــــــــــــــــــــ وتكون شطوره الأربعة متماثلة فى الشطر الأول والثانى والثالث أما الرابع فهو يختلف عنهم فى قافييته وهذا النموذج هو الذى نسميه " بالدوبيت" مع التأكيد على ذلك ونجده موضحاً كالتالى:
ــــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــ أ
ــــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــ ب كقولهم
كبير القوم شارى دماغه وحاطط إيده على صداغه
بكره السنين حتجيب داغه وكـــل واحــــــد وظروفه
النموذج الرابع:
ــــــــــــــــــــــ وذلك النموذج هو المتداول بكثرة والمنتشر بين الجماعات الشعبية التى تنظم النميم قدماء ومحدثون دون ما نظر إلى غرض بلاغى أو وزن عروضى وذلك لأنه يتيح للقوال أن يرتجل ويبدع منه الكثير والكثير فى وقت قليل ، وهو يتخذ الشكل التالى :-
ــــــــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــــــ ب
ـــــــــــــــــــــــــ أ ــــــــــــــــــــــــــ ب
الذى يكون فيه الشطرين الأول والثالث مماثلين لبعضهما والثانى والرابع مختلفين عنهما متشابهين فى قافيتهما ،
يابت جمـــلك هبشــــنى والهبشة جاتنى فى عبضايا
ورمان صدرك دوشنى وصــبح فـــــطارى عشاـيا
وكقولهم......
ليه يا دنيا مسخت حلتكى بتسقى الأسودة مراير
وقبل مــا تتمى حـــلتكى قلبتى حـــلاكى مراير
وكقولهم......
اتلمو الطبابة مع الدون وباتوا العوازل فى راحة
قلة معادك مـــع الدون تلقاه مكــــــــسب وراحة
وقد يكون ما سبق هو الحالات المعروفة لنماذج النميم المربع مع مراعاة أن النميم فى الآونة الأخيرة لم يظل ثابتاً فى بناءه الشعرى بل نالت منه الأيدى ما نالت بحجة التطوير والحداثة حتى بات النميم متعدد الأنماط والأغراض وصار يتمتع بما لم يتمتع به الشعر الكلاسيكى رغم ما حدث فيه هو الآخر من تحديث

وتطوير – من تنويع فى الأوزان والقوافى حتى وإن فرض أن هذه الأوزان بعضها مهمل ولا يخضع صراحة لبحور الشعر عند الخليل والأخفش ولكن النميم بذلك قد اكتسب شعبية وجماهيرية من هذه الخاصية تحديداً. إذ نجد فيه ما نسميه فى الشعر التقليدى بالمزدوجات ، وكذلك الثلاثيات فضلاً عن المربع ما ذكرناه عنه سابقاً ورغم كل ذلك ما زال يحتفظ بألفاظه البشيطة ومعانيه السامية الرفيعة ، وسنعرض فيما يلى النماذج الأخرى التى نظم فيها النميم ونال ما نال من استحسان وقبول ومنها :
أ‌- النميم المزدوج:
ــــــــــــــــــــــــــ وهو ما كان شطراه يتفقان فى قافية واحدة كما هو مبين بالتخطيط التالى:
ـــــــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــ أ كقولهم

أبوى زرع لى قتة والقتة مدادة فضلت أدادى قليل الأصل مدادا
وكقولهم.....
من صغر سنى طاير فى الهوا بكيفى عمرى ما صحبت صاحب وجانى على كيفى
والأمثلة فى ذلك كثيرة ومتعددة غير أننا اكتفينا بسياق هذين المثالين :
ب- النميم الثلاثى:
ـــــــــــــــــــــــــــ ويسمى فى بعض بلدان الصعيد " بالملتوت" وهو بطبيعة الحال يتكون من ثلاثة أشطر فقط تتفق جميعها فى قافية واحدة وهو يشبه إلى حد ما الشكل الشعرى المسمى " بالحدوة" وقد نظم من هذا النموذج الكثير والكثير ولكننا نكتفى بالمثال التالى كدليل على ذلك...
صاحبت صاحب قلت فى يوم يشيل حملى
قام جاب حمله التقيل وحطه على حملى
كداب اللى يقول غيرى يشيل حملى
وهكذا ظل النميم يتناقل بين سامعيه ومحبيه وظلت قوافيه وأوزانه سواء فيه أو فى جرالنميم تتغير وتتبدل حتى صارت هكذا ولكنها لن تبقى
* المغلق والمفتوح من النميم وجر النميم
يعتمد كل من النميم وجر النميم على المحسنات البديعة كما قلنا فى بلاغته إعتماداً كلياً وخاصة الجناس التام المستوفى والتورية ولكنه أكثر فيما أبدع من الجناس التام المستوفى والذى كان دائماً ما يأتى القوال فيه بالجناس بين فعل وسم أو العكس كقولهم " اسميته يحيا ليحيا " ومن ذلك المنطلق وعملاً بهذا التطوير البلاغى الذى طرأ على النميم وجر النميم على حدٍ سواء نرى الجماعة الشعبية ميزت بين ما يخلو من ذلك المحسن البديعى وبين ما كثر فيه التجانس بهذا الشكل بأن جعلت لكل واحد منهم اسماً ، فأما الذى يخلو من التجانس فقد أسمته " مفتوحاً" وهو ببساطة ما خلا من التعقيد وفهمه المتلقى دون عناء أو تقكير مثل :
شوف الزمان بقى بوابير وكلبات ولمض الجـــــاز سيبوها
وولد الغـــــربات اللـــى بلا أبات فى اللمبات تحلت بأبوها
ونلاحظ هنا أنه لا صعوبه فى فهم هذا النميم كما لا صعوبة فى مثله من هذا النوع مثل
إن ركبت إركــب جـــــارح أم الركاب على الجنب تلوح
إن قامت عيطة كيف إمبارح صاحب المهيرة فين يروح
وفى مثالنا هذا قد لا يجد القارئ صعوبة فى قراءته وفى فهمه أيضاً لكنه قد يجد الصعوبه فى تأويله فهو قد يميل إلى جانب غير واضح فى سياقه ولا يظهر إلا بالشرح والتوضيح لذا يفضل أن يفهمه القارئ على ما هو عليه أى على علاته ويفهم من خلاله ما يفهم ،



ومثال ثالث قال الشاعر الشعبى :-
زمن الفضــــا راح وجا نا زمن مايل
نعد لها على اليمين نلقى الشمال مايل
وفى قول آخر يقول الشاعر الشعبى
كبرت فـــيران البلد والقط شافها وطار
والله عجيب يا زمن القط يصــــبح فار
* أما النوع الثانى والذى أسمته الجماعة الشعبية " بالمغلق" وهو ما اعتمد فيه الشاعر الشعبى على الجناس التام المستوفى كما أوضحنا سابقاً وأطلقوا عليه " الواو " إعتماداً كلياً وجاء فيه بألفاظ جامدة ومبهمة يصعب على القارئ أو المتلقى فهمها ومعرفة المراد من وراء الإتيان بها وقد يحتاج إلى توضيح أو تفسير وربما إلى تحليل وتفصيل وكلما زادت الألفاظ تعقيداً كان ذلك شاهداً على براعة الشاعر وقدرته على صياغة شعره وصناعة واواته وكذلك حسن إبداعاته التلقائية وإبراز مخزونه من الكلمات وثروته اللغوية وعلى الرغم من ذلك التعقيد فإن الذى نراه أن الشاعر كلما زاد فى طلسمة ألفاظه كلما زاد استحسان المتلقين والمشجعين فيعلو التصفيق والصياح وخاصة ممن لهم خبرة وحسن درايه فى حل هذه الطلاسم ومن لهم فى ممارسة هذا الفن باع طويل والأمثلة فى ذلك كثيرة فمنها :-
ليه يا دنيا علينا تنــــكتى والبـــلاوى مبــــــــيدناش
حطيت على النار تنكتى دورنا على الشاى ملقناش
ونجد ما قصدناه من المحسنات وما تحدثنا عنه فى سابق ما ذكرنا فى لفظ " تنكتى" فى البيت الأول وهى تعنى (تنكتى) أى تستهزئى بنا وتصنعى منا نكته أو طرفه يتداولها الآخرون وفى لفظ " تنكى" فى البيت الثانى وهى تعنى ( تنكتى) أى الإناء الذى يصنع فيه الشاى وصحيحه
( كنكتى) بالكاف ولكنها تنطق هكذا فى كل بلدان الصعيد أما فى قولهم
لا كنت أشيّل ولا اشــــــلى وجـــور الأواهــــر كوانى
عايز لى طار أندب وأشلى على اللى جرالى فى زمانى
ونلاحظ أن الشاعر أغلق اللفظين ( أشلى ) فى البيت الأول وهى تعنى أن هذا ليس من شأنى ولا دعوه لى به أى لا يخصنى ورغم ذلك فقد طالنى ظلم العاهرات " جور الأواهر " و
( أشلى ) فى البيت الثانى وهى تعنى أصيح وأبكى وأصرخ مستنجداً مما حدث لى من جراء ذلك ومما فعله بى زمانى هذا ،
وقد لا يأتى الشاعر باللفظ المراد أو- بأكثر دقة - المعنى المراد من خلال اللفظ مباشرة لكنه قد يعبر عنه بما يفيد الشعور المعاكس أو رد الفعل كالذى إذا لسعته بالنار قال وهو ينفض يديه آه وأنبع ذلك ألفاظاً أخرى وعلى هذا السياق نجد صاحبنا وكأنه قد أحرق بالنار فقال حين سمع كلام الغرايب قولاً وغير عن كلام القرايب بفعل فقال
كلام الغرايب حماناه زى ريح فى البحر داوى
وكلام القرايب أحمناه زى الطعن جوه الكلاوى
ومعنى ذلك أنه تحمل قول الغرباء وأعتبره كالريح يدوى فى بحر ولا ضرر من وراءه أما كلام
الأقارب فقد اشتكى منه وشبهه بالطعن الذى يصيب كليتيه فيألمه إلى درجة التأوه ،
وهناك ثالث من شعراء النميم وقد جاء إلى والده طالباً منه بعض المال فوجد عند والده بعض الضيوف وهنا وجد لديه الحرج فى ان يطلب من أبيه المال فى وجود الضيوف فقال :-
جايلك من البعد نهتان ومعاى ضاقت الخلايق
عايزين منك جنيــهان نفك جمــع الخــــــلايق
وهنا نجد الشاعرقد صنع واوه فى لفظين " نهتان " فى البيت الأول وهى تعنى " النهجان " وهى حالة سرعة دقات القلب وسرعة التنفس من كثرة الجرى ولفظ " جنيهتان" فى البيت الثانى ويعنى بها أنه يطلب من والده اثنين من الجنيهات وكذلك بين الخلايق فى البيت الأول فهو يعنى بها " الخلق" أى انه يشعر أنه ضاقت طباعه وسعة صدره أما الخلايق فى البيت الثانى فهو يقصد بها الأقمشة حسب ما تنطق فى بلدان الصعيد، أما فى قول الشاعر الذى ظل يلعب الدومينو حتى غلب أى هزم ومن جراء هزيمته كاد أن يخرب بيته كما قال نفسه .
لعيب الدومنه غلبنى والشيش ع البيش نازل
فضلت أغلب غلبنى ومنه خراب المـــنازل
وفى ذلك نراه قد صنع واوه بالتماس بين لفظ " غلبنى" فى البيت الأول وهو يعنى بها الهزيمة وعدم المكسب فى كل مرة وبين لفظ " غلبنى" أى غلى البن ويعنى بذلك أن القهوه إذا غلت فوق النار فسدت ولا بد من صنع غيرها وهنا شبه خراب المنازل بالبن المغلى ومن الملاحظ أن النميم المغلق كان يستخدم للتعجيز فى حل النميم ومعرفة المراد من وراء االفظ المغلق وكذلك كان الشاعر يأتى بألفاظ أكثر ابتعاداً عن المألوف كما فى قولهم..
غليون شــد بلا زناد وشدته جات فى العصارى
طلع المدينة بلا زناد وقال البضـــــاعة ياشارى
وفى هذا الواو يطلب الشاعر من سامعيه أن يعرفوا التجانس بين لفظ " بلا زناد" فى البيت الأول ويعنى بها الزندة التى تدق فتشتعل النار كما فى البندقية وكذلك فى الآلة أما كلمة " بلازناد" الثانية فيقصد بها "اللوز النادى" أى النوع الجيد من اللوز وشتان بين هذا وذاك.
وهذا شاعر آخر يطلب من سامعيه أن يردوا عليه وأن يأتوا بمثل ما أتى به فى قوله....
عينى رأت طير فى الجبل بارك يبيض ويفقس وهو فى سن الجبل بارك
وحق من أنزل القرآن وتبارك متجيب غطا الدور لأديك جمل بارك
وهنا نلاحظ أن شاعرنا لا يريد توضيح المغلق فى واوه أنما يطلب من سامعه أن يأتى بغطاء لدوره الذى قاله وهذا يتطلب أن يكون الغطاء فى نفس الموضوع واستخدام نفس الكلمات مع اختلاف القافية كما قال الذى رد عليه فقال
عينى رأت طير نايم فى خلواته يبيـــض ويفقـــس وهوفى خــــلواته
وحق من انزل القرىن وآياته آدى غطا الدور قوم حل الجمل هاته
وهناك آخر يقول :-
إن كان على الفـــــــــــن فنان والفـــــــن عــــندى هوايه
تقدر تقول لى السما كام فدان وأردب البرسيم كام حبايه
وكان الرد عليه:
إن كان عــــــــلى الفن فنان وأنا للفـــــــــــن غادى
تقدر تقوللى السما كام فدان وأنا أجيب لك التقاوى
الأغراض البلاغية للنميم:-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والنميم فى أغراضه البلاغية ليس بمكانه أقل من غيره من الفنون الشعرية الأخرى فقد أحصى أغراض الشعر التقايدى وربما زاد عليها ونجدهم يقولون
1- فى الفخر
أنا راكب مهــــــيرة كالحى وفـــــيها الرمايم زينه
وإن صدقت الأمانة كالحى والشرق والغـرب لينا
وقال آخر
خطارى ومن بنى جعفر والكرم كله حدانا
ليكم جـــــــد جعفر كمل فطاره حدانا
2- وفى الحماسة

نوينا على العرب نهدوه وناوى عــــليه اللــــــــى ناوى
بتعلب الشيش مع الدو فى سيدى عبد الرحيم القناوى
ورد عليه آخر.
الغـــــرب قاســـــــــى ما يتــــــــهد وفيه رجال بالكفاية
حلينا المطاعنة والمراشدة حجر حد تلمكـــم يا هـــــفاية
3- فى الهجاء
أهل الكتاب لله عارفين وحياة المشف بينا
خلقك وش من غير عنين عشان عارفك لئيمة
وقال آخر:
الندل ميت وهو حـــــــى ما حد يحسب حسابه
طعمه يشبه الترمس النى حضوره يشبه غيابه
4- فى الغزل
حليوه نازلة بجرة ايديها تقلب حنانى
ما تدى التوب جرة ونعيد الرسم تانى
وقال آخر
جناكى يا بيضة جناكى ولأجلك تعبنا الهجين
عـــــايزين عذا بلا نار ولا تتعبى له فى عجين
5- فى الرثاء
ــــــــــــــــــــ على الرغم من الشاعر الشعبى والجماعة الشعبية بصفة عامة جعلت للرثاء فناً خاصاً أجادت فيه النائحات أيما إجاده لكنه لم يهمل " الرثاء" فى أغراضه البلاغية فى أى فن من فنون الشعر وفيه قال :-
يا شجرة كام ضللك عجبنى وليكى ضل هاوى
فايت حبـــــــيبى عجــــبنى بلامى يا دنيا بلاوى
وقال آخر
على بيـــتنا ينعق الطــــــــير وشهّد علاى عمى وخالى
وعروسة البدن صارت طير صبحت لى الجسم خالى
6- المديح
أبو رحاب صـــــايبه الكبر وهو من الرجال الأسودة
إن غاب الدهب يوجد التبر وارث الكرم عن جدوده
كما أضاف الشاعر إلى جملة إبداعاته إضافة جديدة وكان ذلك فى استخدامه الساليب الإنشائية والخبرية وعليه كان لا بد من إدراك ذلك وتوضيحه حتى لا ندع جانباً لم يتكلم عنه من جوانب النميم كفن شعرى
1) الخبر
القلب مرضان ومعنل وكتر الحكاوى شماته
من بعدالكـــسترا العل صبحنا لا قينش نكاته
اسلوب خبرى غرضه البلاغى التأسى والحسره والندم على ما فات
2) الإنشاء
محلاكى يا مدغة كيفك يرد الراس وعطرونك مر ساقى
لا زى مطــــــبق ولا قـــــــراص ولا فطير بالتـــساقى



الحذف والإضافة فى النميم وجر النميم :-
----------------------------------
لقد كان النميم وجر النميم كأى من الموروثات الشعبية سواء كانت قديمة او حديثة تخضع جميعها لقاعدة الحذف والإضافة وتخضع أيضاً للتطور والتحديث كلما صارعت الأجيال وأصرت على بقائها قوية ومؤثرة مهما طال بها الزمن ومهما مرت عليها الأجيال. وإننا إذا نظرنا إلى خضوع النميم أوجر النميم للحذف والإضافة فإننا نجد أن حدوث ذلك أمر طبيعى لذلك فإن كثرة التكرار فى تناول النميم مع عدم المساس بمضمونه طبعاً وعدم النظر إيه على أنه شئ غير الموروث الشعبى ولذا نلاحظ أن بعضه قد أدخلت عليه التحويرات وخضع للحذف وللإضافة وأنه قد تخدم المعنى وقد لا
ومثال ذلك: فى قول أحدهم:
سكت الهوا والناموس تار والكلب فارد با عينه
السبع قال: النوم أســــتار لما الكلب ياخد يومينه
وفى قول آخر نلاحظ الحذف والإضافة فى تقسيم النميم
سكت الهوا والناموس تار والسبع طاطا بعــــــينه
قال خليها دا النوم أستار لما الهلف ياخد يومينه
وفى مثال آخر نرى ذلك واضحاً جلياً كما هو آت
ليه ياطــــبيبى تكلنى وجسمى ما طايق الخلايق
أريد الوحوشة تكلنى ولا لطعتى عند القرايب
ونفس الواو قد اجريت عليه عملية الحذف والإضافة نراه فى الآتى
ليه يا زمانى تكـــلنى ويا ما ريت منك عجايب
أريد الوحوشة تكلنى ولا لطعتى عند القرايب
وفى مثال ثالث نلاحظ نفس ما لاحظناه سابقاً
زمن الفضا راح وجانا زمن مايل
نعد لها على اليمين نلقى الشمال مايل
وفى صورة أخرى نقرأه
زمن الفضـــــا راح كنا فى نغنغة عايشين
شرب المعسل غلىّ ع المدغة مش قادرين
********************************************************
" الخـــــــــــــــاتمة "
" مهما كانت تقلبات الزمن ومهما حملت بين طياتها الأيام أحداثاً جثاماً وسجل التاريخ فى صفحاته أعمال من رحلوا من ساسة وزعماء إلا أن الشعر والشعراء شعبيين كانوا أو تقليديين فإن خلودهم وتخليدهم فى ما تركوا من موروث شفاهى أو مكتوب ولسوف تخلدهم تلك الكلمات ولسوف يبقى ذكرهم ما بقيت على ظهر البسيطة ألسنه تقول الشعر ومواهب تبدعه وما دام هناك من يهوى الشعر ومن يقدره وإنا لآملون أن نكون قد وضعنا بين يدى القارئ الكريم شيئاً مما وجب علينا نحن الباحثين أن نصنعه تجاه هؤلاء الذين قدموا الكثير والكثير من إبداعاتهم ربما بلا ثمن ولكن الثمن الحقيقى هو أن يردد أبناء الجماعة الشعبية بعض ما تركوا أو كل ما تركوا من عصارة فكرهم وثمرة جهدهم الذى لا شك بذل بشكل لا رجاء فيه لعائد أو انتظار فيه لكافأة اللهم إلا الثناء الوفير أو القليل الذى قد تجود به ألسنة المتلقين من أبناء الجماعة الشعبية رداً لما قدموه من جميل وعلى ما تركوه من بديع صنع وإنا لآملون أيضاً أن نرى آخرين من الزملاء الباحثين قد أضافوا ما قدمنا من بحث شيئاً جديداً ومفيداً ينتفع به كل باحث ويتمتع به كل هاوٍ فإن الجماعة الشعبية على الرغم من تفككها فى الآونه الأخيرة إلا أنها ما زالت معطاءة وسخيه ولا زالت تحمل فوق رأسها هم كل مهموم وفى قلبها حزن كل حزين وعلى شفتيها ابتسامة كل فرحان وسعيد ولعلنا فى بحثنا هذا نكون قد قدمنا شيئاً نافعاً ومفيداً ،
والله ولى التوفيق

المصادر
1- المواليا- رضا محسن- ط الهيئة القومية للكتاب 1999م ص 10، 11، 12
2- السرارىمن العرب : من تزوج بفارسيات وسموا أولا دهم أولاد السرارى
3- يوميات العقاد جـ 2 ص332 وما بعدها - ط دار المعارف
4- نفس المرجع السابق
5- يوميات العقاد جـ 2 صـ 337 – ط دار المعارف
6- أ0د / محمد سلام الموسوعة الإسلامية العامة صـ 725- طـ الآهرام – المجلس القومى الأعلى للشئون الإسلامية
7- المواليا – رضا محسن صـ 59 – ط الهيئة العامة لقصور الثقافة- 1999م
8- 8ابن خلكان – وفيات الأعيان جـ 3 ص 127- ط مصر
9- مقدمة ابن خلدون ص 557
10 - المواليا – رضا محسن صـ 72 – ط الهيئة العامة لقصور الثقافة- 1999م
11- عصر الدول والإمارات – د/ شوقى ضيف- ط دار المعارف
12- المواليا – رضا محسن صـ 73 – ط الهيئة العامة لقصور الثقافة- 1999م
13- عصر الدول والإمارات - د/ شوقى ضيف- ط دار المعارف
14- نفس المرجع السابق
15- الموسوعة الثقافية
16- د/ جلال صابر حجازى – الموسوعة الإسلامية العامة صـ 1396،1370ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
17- المرجع السابق
18- د/ صفوت زيد – الموسوعة الإسلامية العامة صـ 1971ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
19- عبد الحليم عباس – أبو نواس صـ 67ط دار المعارف –إقرأ
20- نفس المرجع السابق
21، 22،23،24 – فصول من الشعر العربى د/ شوقى ضيف – ط دار المعارف ص 44 وما بعدها
25- الأدب المقارن د/ طه ندا – ط دار المعارف
26، 27- عشاق ولكن شعراء – فتحى سعيد ص71 وما بعدها ط دار المعارف سلسلة إقرأ
28،29،30- د/ شوقى ضيف – عصر الدول والإمارات – ط دار المعارف
31- عيد محمد كشك – الموسوعة الإسلامية ص 675 المجلس الإعلى للشئون الإسلامية
32،33، 34- رباعيات أثبتها ابن خلدون ووردت فى فنون الأدب الشعبى – د/ أحمد رشدى صالح
ص 170 وما بعدها
35- اللاغة الواضحة – على الجارم ، مصطفى أمين
36- قاموس قواعد البلاغة – مسعد الهوارى – طبعة مكتبة الإيمان
37- نوع فاخرمن التبغ
38- عقب السيجارة
39- المستطرف من كل فن مستطرف جـ 2 ص 21
40الدر المكنون فى سبعة فنون ورقة 152
41- مجلة التراث الشعبى جـ 1 السنة الثالثة 1966 ص 6
42- نفس المرجع السابق
43- الفيض الغزير فى شرح مواليا الأمير ورقة (5)
44- الدر المكنون فى سبعة فنون ورقة (159)
45- الفيض الغزير فى شرح مواليا الأمير ورقة ( 4)
46- الدر المكنون فى سبعة فنون ورقة (171)
47- مخطوطة هاشم رجب ص 103 ورقة 235
48- سفينة الملك و نفيسة الفلك ص 382
49- المرجع السابق
50- آخر الليل – عبد الرحمن الأبنودى ص 111 ط الهيئة العامة للكتاب 2002























ليست هناك تعليقات: